بحث في هذه المدونة

السبت، 8 ديسمبر 2012

الجسد والانطولوجيا – مفهوم وتساؤلات


الانطولوجيا (ontology):"العلم الذي يكون موضوعه الوجود المحض، أو الموجود المشخص وماهيته، أو الموجود من حيث هو موجود، أو الموجود في ذاته مستقلا عن أحواله وظواهره"[1]، وهنا أجد من الصّعوبة بمكان تقبل مثل هذه الرّباعية في تفسير الانطولوجيا، لاسيما ونحن ندرك أن التّفكير الانطولوجي يعد واحدا من أقدم أنواع التّفكير الإنساني، بل أستطيع القول بأنه القاعدة الأساسية التي قام عليها الفكر المثالي بالكامل كمؤسسة فكرية وفلسفية، نمت بشكل كوني واتسعت بشكل تعجز عنه الطّوبوغرافيا (topography) الواصفة بوصفها علماً[2]، حتى بات موضوع هذه (الواحدية)[3] الانطولوجية في مسيرة الفكر الفلسفي يشكل محط أنظار الفلاسفة والمتفلسفين على حد سواء، وكثيرا ما تقابل هذا الموضوع مع الأفكار (الاثنينية) أو (الثّنائية: الثّنوية)[4]، التي سرعان ما استبعدت نظرا لشيوع وقدم مهمة التّفكير الانطولوجي – الميتافيزيقي، خاصة إذا ما أدركنا أن الميتافيزيقيا تشكل"دراسة اعم واشمل عمقا من أي علم خاص؛ لأنها تهدف إلى توضيح البنية الجوهرية العامة لكل تفكيرنا"[5]، فلم نشاهد التّاريخ[6] إلا وهو يتأثر بالمظاهر العقلانية التي تميزه من جهة تكون وجهه الانطولوجي، وسمته التي ارتكزت على ذاته في وجودها المحض؛"لان معرفة السّبب الحقيقي في وجود ظاهرة ما معناه الوصول إلى تفسيرها على أكمل وجه يقبله العقل"[7].

غير أن الاعتراض هنا مرتبط بتشبيه محاور البحث التي تمد فيها الانطولوجيا أصابعها، وكأنها تقلب الوجود بيد واحده، تماما كما لو انه مكعب الشّكل، أو لنقل إن الانطولوجيا سجين قاعة لها أربعة جدران وأرضية وسقف؛ وذلك لان الفكر المثالي ذاته يخبرنا وفي أكثر من موضع، بأن الانطولوجيا مفتاح لإدراك هذا الوجود بكل ما فيه، وما تم عرضه في بداية الحوار مكعب أهمل فيه ضلعان هما: (واجب الوجود) الذي شكل ومنذ الأساس في تاريخانية الفكر محورا ابتدائيا لانطلاقة التّفكير، و(الوجود الاعتباري) الذي به امتلأت المعرفة مفاهيم وتصورات منها ذاتية وأخرى موضوعية، فالأول لا يقسم ولا يحد ولا يتعدد وليس كمثله شيء تبارك وتعالى، والثّاني قد أتضح في العبارة ولا يحتاج إلى بيان.

هناك دور محدد سلفا يعطي للانطولوجيا امتدادا تاريخيا يشكل فيه الإنسان بوصفه (جسداً) ضرورته الجدلية تلك التي احتيج فيها إلى البحث عن جوهر انطولوجيته حتى شكلت في تبادل الأمكنة والأزمنة نقطة ارتكاز تجري وتتناقل من جيل إلى جيل، عبر تدفق سيال، فلم يكن المكان ازاءها سوى امتدادا عرضانياً ولم يستطع الزّمان إلا أن يكون طولانياً وباستقبال مستمر، حتى أصبحت تراتبية الامتداد التّاريخي لانطولوجيا الوجود من جهة والجسد من جهة أخرى تمر عبر صيغة من التّوالي تختزل الزّمكان إلى لحظات متكررة لا يكون فيها (الماقبل) و(المابعد) سوى اصطلاحات مفاهيمية[8]. ويمكن أن نستشهد بالآية القرآنية المباركة: (وتلك الأيام نداولها بين النّاس)[9]، (وكفى). وكأن عملية إعادة الإنتاج الانطولوجي هي التي تعطي ذلك الامتداد التّاريخ لبحث (الإنسان: الجسد) عن علته وماهية وجوده، فليس من حد فاصل بين (الماقبل: المابعد) مادامت الزّمكانية متصلة بأنطولوجيتها التي ذاب فيها توصيف المقولات (العشرة الارسطية)، باستثناء مقولة الجوهر[10]. على الرّغم من كونها قاعدة تلك المقولات إلا أنها منفلتة عنها بل وخارجة منها، لتشكل مقولة الجوهر (النّامي الحساس المتحرك بالإرادة) مفهوما في المعاصرة التي تبدو أنها غير منفكة عن"الجدة"بأي حال من الأحوال، حتى يبدو كل زمكان في كوزمولوجيا الوجود الجسدي الخارجي انه يمثل (الآن).

إذاً فـ(دراسة المبادئ الأولى للأشياء) كما عبر عن ذلك ارسطو أو"علم (الوجود) من حيث هو كذلك"[11] تستوجب النّظر من ستة وجوه وهي: الذي لا مثيل له، والوجود المحض، والمشخص، والمفرد، والذّاتي، والاعتباري، فالوجود الأول هو الذي ينظر فيه إلى علة كل الموجودات ومنشأها، والثّاني هو الوجود المصدري أو الاصطلاحي، والثّالث هو الوجود الذي ينظر إلى الأشياء بما هي أشياء (كالجسد)، والرّابع هو الذي ينظر إلى ظواهر تلك الأشياء بما رحبت من تغير وتبدل، أما الخامس فينظر إلى الماهية التي تشكل الذّات، والسّادس ينظر إلى المفاهيم الذّهنية كاشفا وجودها ومحل شأنيتها[12]، وبذلك أستطيع النّظر إلى الانطولوجيا متكاملة الأطراف من دون عوق يعوق أنظمتها في تفسير أو محاولة وضع البراهين على وجود علبتها ذات السّطوح السّتة، فتلك الرّؤية التّقليدية تبدو وكأنها عاجزة عن تحقيق المشروع الشّمولي لمفهوم الوجود ولو على النّحو الميتافيزيقي، مادام الأخير غير منفك بأي حال من الأحوال عن تحقيق ذات الرّؤية الشّمولية. ومهما كان تأكد الانفكاك فثمة ارتباط يرتد إلى المركز بصفة يتضح فيها الانتماء حيال ذلك (الجوهر)، الذي أكد عامة المثاليين وجوده منذ البداية"وانه سابق على سائر الاشياء الأخرى لا من حيث الوجود فحسب، بل من حيث التّفسير والمعرفة كذلك؛ أي إن تفسير أي شيء آخر يتطلب فكرة الجوهر، ومعرفة أي شيء آخر تقتضي معرفة الجوهر، وان وجود أي شيء آخر يتوقف على وجود الجوهر"[13]، فما بالك وهو كركن أساسي غير موجود في الرّباعية السّابقة، فضلا عن ان المثالية بمدركاتها العقلية ومنظومتها في تقرير الابستومولوجيا قد أكدت على (الادراك) "والواقع فأن إلغاء الادراك يعني قطع علاقة الذّات بالعالم، تغدو الذّات بذلك برجا أصم الجدران لا نوافذ له"[14]. من هنا ندرك أهمية الإدراك وتأصيل تركيبة المفهوم المجتر من الواقع الخارجي ذاته.

الجسد وإشارته إلى ضرورة وجود العلة:

إن الانطولوجيا سرعان ما تكشف لنا بعد أن تكشفت بمحاورها السّتة السّابقة، أن الجسد معلول، فقير محتاج إلى علة، وهذا الأمر سيؤدي به إلى البحث عن ضرورة اللّجوء إلى مصدر كماله الذي يكون قادرا على اجابته في اشد الحالات تأزما، وتلبيته لنداء الخلود الذي يرتجى أمام زواله كقوام (جسدي)، الأمر الذي يفسر الكثير من الحضور والتّشبث في (الآن) خوفا على (الانا) وبشكلها الجمعي (النّحن) من الاندثار أو الانزواء في أقبية الزّمكان ما بين (الماقبل والمابعد)، ليس وفقا لمقولة (كانط) في سياقها المجرد، وإنما على وفق تنميطها المتحيز (الصّوري) كما عند هوسرل أو هيدجر أو باشلار (السّير الحتمي نحو العدم)[15]. وعليه قد أوجد الجسد بوصفه موجودا انطولوجيا ينظر إليه من كل الجهات (من بين أيديهم ومن خلفهم ومن فوقهم ومن تحتهم)[16]، جسدا آخر غير جسده المتحيز الزّمكاني، جسدا لا يعرف الحدود في البقاء ورافضا لحتمية الواقعي مستبشرا إزاء ذلك المجرد. الخارج عن الرّؤية التّقليدية. تماما كالرّياضيات التي جعلت كل الحدود المتناهية قابلة للانفتاح على اللّانهاية، وبالرّغم من إمكانية الامتداد (تراجعا: الماقبل) و(تقدما: المابعد) إلى ما لانهاية، يبقى الجسد البديل (المزعوم) ذا طبيعة حدية ومتناهية بالضّرورة المشروطة بالمشيئة والإرادة الإلهية.

وهنا يكمن الإشكال عن الذي تمثله أنظمة (الجسدانية) في بنية من القيود والتّشيؤ. مقابل ترفع الذّات الإلهية عنا، إشكالاً يضع معارف كثيرة كالعقائد والإلهيات والفلسفة والطّبيعيات والفن وغير ذلك[17]، الإشكال يفتح شهية الجسد في مداولة ذاته بذاته، انه يضع نفسه على طاولة الحوار، ويخاطب كل منهما جدليته في المحدودية (الفناء) وفي عدمها (البقاء). الجسدانية بمفهومها الانطولوجي أشارت إلى الجسد لان يفكر في عينه، في ذاته، وأي سؤال يطرحه المسؤول وأي جواب يجيبه السّائل، انه بمنزلة العطب الذي يصيب (الرّوبوت - repot)، فيضطرب فيه كل شيء، وعلى فكرة فالرّوبوت جسد، وهو إشكالية قد نوفق للحوار عنها في مقال لاحق إن شاء اللّه تعالى.

في الحال الذي يشير المرء إلى جسده على انه ذاته، أو يمثل ذاته، فانه يبغي تأكيد انطولوجيته، يريد التّثبيت على فعل وجوده، أمام انزياحات الفناء، التي تعددت مظاهرها؛ الأمر الذي دعا لعدم اكتفاء الذّات بالجسدانية ممثلا لها، فقد جعلت لها دوال أخرى تشير إلى مدلولها، وتحقق في الوقت ذاته استمرارية بقائها، كالصّورة في تشبيهها الجسدي بوصفها هوية صورية شكلية، أو كالتّسمية في تجسيدها المتمثل، بوصفها هوية لغوية[18]، وهكذا الكثير من الهويات التي سنعرض لها في هذه الدّراسة، كالهوية الافتراضية والهوية الهولوغرافية وهوية الأجساد الآلية، وغير ذلك. وفي الحقيقة إن مجموع هذه الدّوال هو الذي يشكل حقيقة الذّاتي والجسدي، سواء أكان ذلك بجعلهما حدا واحدا من دون تمييز في ما بين كل منهما أم مع التّمييز. والحالة الأولى تنظر إلى ارتباط الدّوال بالمدلول في أنظمة واقعية مرتبطة بالمحدود والنّسبي، والثّانية تنظر إلى انفصال الدّوال عن المدلول تأكيدا لحتمية الانفصال التي تؤكد بدورها ضرورة اللّجوء إلى (مطلق). والسّؤال الملح هنا: لماذا هذا اللّجوء؟ ألسّنا نرى أن لهذا اللّجوء ثمة متطلبات يكون أهمها إثبات وجود (المطلق) ذاته، وهذا هو مركز النّواة في استقرارها الثّاوي في جوانيات البحث الانطولوجي، بل وهو مبرر وجوده.

الجسد وتشخص السّؤال الانطولوجي.

لقد ذكرت في ما سبق أن (المطلق)، (الواحد)، (واجب الوجود ومصدر باقي الوجودات)، الذي صير نقطة ارتكاز الميتافيزيقي في رحلته الفكرية الطّويلة: انه اخذ يشكل الأنموذج في التّساؤل وفي التّجربة اليومية للإنسان الأعتادي، تلك التي كان أكثر ما يشغلها هو التّأمل في طرفي المعادلة، (الحياة والموت)، (الوجود والعدم)، (البقاء والفناء)، (الإثبات والنّفي)، (أكون أو لا أكون)، وكأن المحفز لهذه القضية الكونية ليس الطّرفين اللّذين ذكرتهما فحسب، وإنما ثمة تساؤل مجاور هو الذي يرسم خطا متوازيا في جسد القضية حتى يسبقها أحيانا ويتعداها أحيانا أخرى، وهو الذي يؤكد ارتباط السّؤال ذاته ببنية الفلسفة، حتى قبل أن تكون هناك فلسفة."لذلك كان من حق كل عاقل ان يشرع في طرح أسئلته التي تقلقه وكأنما لم يجب عليها احد من قبله"[19]، وهي المرتبطة في مركزها الثّابت ذلك (البقاء) السّرمدي الأبدي، أين (أنا - نحن) قبل الجسدانية المتغيرة، وأين (أنا - نحن) بعد الجسدانية المتغيرة. وكأن الانطولوجيا في الوقت ذاته الذي تقرر فيه أن الجسد هو بوابة الدّخول إلى عالم (الفناء)، تقرر كذلك انه بوابة الخروج إلى عالم (البقاء). غير أن الذي يدعو للحيرة أكثر من ذلك بكثير، وهو أن الانطولوجيا كمؤسسة فكرية بالوقت الذي تؤكد فيه على الموجودات بما هي هي، وتغرق النّظر في ذلك كثيرا، تصف وجودها ووجود موجوداتها التي اشارت إليها في تنظيراتها على أنها مسلسل طويل من العدم المتكرر أو حلقات متتالية من الفناء المتصل، وان هذا الوجود في مسير ابدي لمغادرة النّسبي والعود من جديد للجوء إلى (مطلق)، يجمع طرفي المعادلة ذاك بوصف (ماضي تام). مع انفتاح لا حد له لتوصيفات (الماقبل والمابعد) في الوقت ذاته الذي تنتفي فيه كل اشارات الزّمكان والذّوبان في حضور اللّامتناهي بلا جسدانية مقيدة، وناقصة، وحينها فقط تنهار الانطولوجيا، لانهيار الكثرة والتّعدد، ليس لأنهما خواص النّسبي والمصور أو المتشكل وإنما لأنهما خارج بنية (المجرد).

وفي عودة إلى ارتباط التّساؤل بالفلسفة، حتى قبل أن تكون هناك فلسفة سنجد أن القضايا في حقيقة أمرها ترسم في ثلاثة خطوط: يشكل الأول منها طرفي المعادلة في (البقاء/الفناء)، والثّاني منها يتمحور في (الماقبل) و(المابعد)، ما قبل (البقاء) وما بعد (الفناء)، أو لنقل انه خط موازٍ تكون فيه الجسدانية حلا وسطيا، أو هي تحتل مكانا وسطانيا، له بداية وله نهاية، بدايته هي التي تؤكد حضوره في المشخص والمعين، ونهايته هي التي تؤكد انصهاره في ساحة التّجريد الكلي على الرّغم من كونها ساحة تظل فيها الذّات مقولبة في حدود جسدية أرحب من هذه الحدود التي شكلت مبحث الانطولوجيا بمنهجيته المثالية. ولعل الذّات بين الجسدي المقيد، واللّاجسدي: ذلك الجسد الأرحب، هي التي حققت انطولوجيتها بذاتها، لعقدها فسحة من التّفلسف حتى قبل وجود الفلسفة"ذلك انه بالرّغم من شمولية السّؤال الفلسفي فان له قاعدة شخصانية وفردانية. وبالتّالي فان الاجوبة المتوقعة يريد ان يحصلها السّائل كما لو كانت هي أجوبته الذّاتية، اكتشافاته. ثمة معاناة ذاتية وسرية هنا في هذا السّياق. إذ إن السّؤال الفلسفي ليس معرفيا بمعنى الكلمة، ليس طلبا لمعلومة معينة يضيفها المرء إلى ذاكرته من المعلومات والمعارف الأخرى، بل طلبا لتلك الحقيقة التي تخصني انا وحدي،{...} ولو لم يكن هناك ذلك الإلحاح والهم لان يحصل السّائل على تلك الحقيقة التي تخصه أو تهمه وحده، لما أمكن القول إن الحقيقة الفلسفية هي حقيقة وجود، أنها ما يمكن أن تحقق لصاحب السّؤال ما يحس انه يعادل كينونته"[20]، فإذا كان (الجسد) يعني الوقوف على عتبتي مدخلين متناقضين (بقاء- فناء)، فان (العقل) مع اشتغالاته قرر وجود عالم اسبق لهذا (البقاء: الحياة) وعالم لاحق (للفناء: الموت)، وذلك بطرائق استنباطية وان تعددت إلى قياس أو استقراء أو تمثيل، وان الذّات دعت للوقوف على باب الكينونة وذلك لارتباطها بالسّؤال المتفلسف ارتباطا أعمق واشمل وأعظم التّحاما بصميم الذّات، ومن هنا"يكون انزياح السّؤال أو منعه أو استبعاده قد يساوي منع الموجود عن تحقيق وجوده"[21]، أي أن في ارتباط السّؤال بالفلسفة صارت الفلسفة، والفلسفة الانطولوجية على نحو يحقق التّأمل في العلة والمعلول، والمجرد والنّسبي، واللّاجسدي والجسدي، اللّامرئي والمرئي، بواقع يستحيل فيه إنفكاك الكينونة عن الكائن، سواء أكان ذلك تحت أنظمة الدّلائلية أم لا، سواء أكان ذلك تحت سلطة اليقين أم لا[22]؛ بمعنى أن الذّات، أو الانا أو الكينونة، لم تجد لها طريق آخر سوى الفلسفة للإجابة على ما يحقق الوجود وما به يكون، وكأن (ديكارت)، لم يأت بشيء جديد (أنا أفكر إذاً أنا موجود)، وفي منطق الألفاظ وتبديلها يصح أن نقول (أنا اسأل إذاً أنا موجود)، على القدر الذي ارتبط فيه السّؤال ببنية الفكر، إنها نوعا من الجدل بين كليهما وقد قيل قديما (مفتاح العلم السّؤال).



[1]. ينظر: د. عبد المنعم الحفني، المعجم الشّامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولي، ط3، القاهرة، 2000، ص 124. وهو يذكر أن (الانطولوجية): (ontologism) مذهب للفيلسوف الايطالي (جيوبرتي) (1851م)، والانطولوجية الواقعية تعود إلى (نيقولا هارتمان) (1882 – 1950 م)، وهنا يجد الباحث ثمة مفارقة عظيمة سنحاول أن نقف عندها وهي تتعلق بموضوع هذا العلم (الانطولوجيا) أي (الوجود): الذي لا يحتاج إلى تعريف لأنه بديهي التّصور، وما كان كذلك كيف جاز أن يكون موضوعا (انطولوجيا)، ونحن نعلم أن بنية المعرفة أساسا أقيمت على كشف المجاهيل أو غير المعرفات، فما الحاجة في البحث عن ماهية الوجود، وهي لا تحتاج إلى إثبات ؟ وباتفاق عام عند الفلاسفة.

[2]. الطّوبوغرافيا: استعمال مجازي يؤكد شمولية الفكر المثالي الذي لا يمكن تحديده لا مكانيا ولا زمانيا، والطّوبوغرافيا هي العلم الذي تصدى لوصف أو رسم الأماكن وسماتها السّطحية من جهة جغرافية، ينظر: هتشنسون، معجم الأفكار والأعلام، ت: خليل راشد الجيوسي، دار الفارابي، ط1، بيروت-لبنان، 2007، ص 298.

[3]. واحدية: وحدوية: احادية: هي نظرتنا إلى الوجود التي تتصف بتجريدها العقلي، أو التي تصف ما هو مجرد ممكن الانطباق على ما هو مادي، بمعنى ان هذه النّظرة تقول"بوجود جوهر واحد فحسب، أو عالم واحد، أو ان الواقع الخارجي (واحد) بمعنى ما، اي انه لا يتغير ولا ينقسم ولا يتمايز، فمثلا المذهبان المتعارضان القائل احدهما بان كل شيء عقلي والقائل الآخر ان كل شيء مادي، ما هما إلا صورتان فجتان للتعبير عن الواحدية، وكلاهما يعارض الذّوق الفطري في قوله بالثّنائية المؤلفة من العقل والمادة (...) وهما احق بان يطلق عليهما المثالية والمادية على التّوالي"ينظر: فؤاد كامل،و جلال العشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، دار القلم، بيروت - لبنان، د.ت، ص 534.

[4]. الثّنوية: اي مذهب فكري يقسم كل شيء بطريقة أو بأخرى إلى مقولتين أو عنصرين، أو انه قد يستمد جميع الاشياء من مبدأين، أو انه يرفض ان يسلم بما يزيد أو ينقص عن جوهرتين أو نوعين من الجوهر، وعلى الرّغم من ان المذاهب الثّنائية لا بد بطبيعة الحال من ان يثبت أصحابها صحتها بالحجج العقلية، إلا ان ما يؤدي ببعض الفلاسفة الى الثّنائية هو الدّافع الذي يحفزهم الى تنسيق صورتنا عن العالم وتبسيطها، للمزيد يراجع: فؤاد كامل، وجلال العشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، مصدر سابق، ص 161.

[5]. فؤاد كامل، وجلال العشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، مصدر سابق، ص 471.

[6]. كثيرا ما نحسب أو نعد التّاريخ كواحد من العلوم التي ارتبط وجودها بوجود العقلانية، وكثيرا ما نحسب أن الاخيرة هي المحفز لظهور التّاريخ وغيره من العلوم، غير انها جاءت متأخرة في الظّهور على مسرح الوجود، فقد ارتبطت مع الكتابة، تماما كما ارتبط التّاريخ بذلك، غير انه جل ما يقدمه هو تقصي الحوادث عودا أو رجوعا الى بدايتها التي انطلقت منها، الامر الذي يفسر ارتباطه بالماضي دائما، ليفسر ارتباط الحوادث بعضها ببعض، وذلك من خلال تعليل تاريخي، أو اساس منطقي يُكشف فيه ما السّبب أو ما علة ظهور الظّاهرة. ينظر: د. جميل موسى النّجار، دراسات في فلسفة التّاريخ النّقدية، دار الشّؤون الثّقافية العامة، ط1، بغداد، 2004، ص 13-23.

[7]. د. محمود قاسم، المنطق الحديث ومناهج البحث، دار المعارف، ط5، مصر، 1967، ص 219.

[8]. ان انطولوجيا الجسد أو الوجود بالاساس لم تنظر الى (الماقبل)، و(المابعد) بل نظرت الى (الماهو)، وهي وفقا لهذه النّظرة تؤسس نظاما من الجدل غير متحول ولا متبدل، يستمد رسوخه وثبوته من جهة النّظر الى غاية هذا الوجود الذي تسبب به الواجب له، خارج حدود الزّمكان الذي وضعنا حدوده نحن على وفق معايير نسبية هي في الاساس دليل نسبيتنا نحن، (فما من شيء كان فما قبله، وما من شيء كائن فما بعده).

[9]. قال تعالى في كتابه الكريم: (إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٌ فَقَدۡ مَسَّ الۡقَوۡمَ قَرۡحٌ مِّثۡلُهُ وَتِلۡكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ النّاسِ وَلِيَعۡلَمَ اللّهُ الذينَ آمَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظّالِمِينَ)، في سورة آل عمران المشرفة، الآية رقم (140).

[10]. الباحث يود الإشارة هنا إلى نوع من المغالطة في مفهوم المقولات العشرة الارسطية، فبالوقت الذي يفترض ان تكون كلها مقولات للعرضي، نجد أن أولى تلك المقولات هي (الجوهر). والمتطلعون يعرفون أن الجوهر مقولة ذاتية وليست عرضية، فالجوهر هو الموجود في موضوع، والعرض هو الموجود لا في موضوع، والحقيقة هي إن المقولات في معيار تغيرها وتبدلها تسعة، إذ ليس في الذّاتي ثمة تحول أو تبدل؛ لأنه هو هو في كل مكان وزمان، أما الذي يتغير فيه فليس هو بما هو جوهر، وإنما هو بما هو عرض، وعليه فليس من حد فاصل فعلا بين الإنسان ومفاهيم الزّمكان، أي ليس ثمة ما يتصف بأنه (قبل وبعد) نظرا للتحول وللتغير في الإنسان كجوهر عدا عرض الجسد وما يلحق بهذا العرض.

[11]. يراجع: فؤاد كامل، وجلال العشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، مصدر سابق، ص 466-472.

[12]. ذكر الباحث أن المفاهيم (شأنية) الحلول، وذلك لأنها اعتبارية، فهي تحل في الذّهن حلولا دون الإقامة، فهي ليست كالمواد الخارجية التي من شأنها الحلول والإقامة كالجسد الخارجي مثلا. ينظر احمد جمعة، الوعي الجمالي - دراسة في التّطبيقات الشّكلية البصرية، دار الأصدقاء، بغداد، 2009. وكذلك: احمد جمعة، المنطق منهجا نقديا - دراسة في قراءة الشّكل الفني، بيت الحكمة، بغداد، 2010.

[13]. الجوهر في الفكر المثالي القديم يعني جنس الأجناس الذي لا جنس فوقه أبدا. القول المقتبس لأرسطو، وهو يربط كل ما يتعلق بالمعرفة والتّفسير والوجود بالجوهر. ينظر: فؤاد كامل، وجلال العشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، مصدر سابق، ص 466.

[14]. ينظر: مطاع صفدي، نقد العقل الغربي-الحداثة وما بعد الحداثة، مركز الإنماء القومي، بيروت لبنان، 1990، ص 128.

[15]. القبلي والبعدي ذهني عند (كانط) اما عند الظّاهراتيين فهو مرتبط بالأشياء الخارجية وصورها. بمعنى أن فكرة الخلود التي سعى الانسان ومنذ القدم الى تحصيلها إنما هي فكرة تستدعي البحث عن ما قبل هذه النّشأة الجسدية وما بعدها، ولان القبلي والبعدي عند (كانط) لم يكن مرتبطا بالاشياء الخارجية وانما بالمفاهيم الذّهنية (النّومينات والاسكيمات) فاستبعدتها، فضلا عن كونها نمطا من الاستدلال المغلوط، إذ ليس ثمة شيء لم يأت عن طريق الخبرة، أما الحيز المرتبط بالاشياء عند هيدجر أو باشلار، فهو ينظر الى وجود الاشياء عينها لا إلى تصوراتها، أما عن مقولة القبلي للفيلسوف الالماني (كانط) فهي معرفة عنده بـ(المعرفة التي لا تأتي عن طريق الخبرة) وفي تقديري لا توجد معرفة ما إلا وهي مقرونة بالخبرة والغريب في الامر انه يقدم امثلة على استدلاله المغلوط فيقول (الشّمس تشرق من المشرق) وهذه معلومة احتاجت إلى تحصيل، وبالتّالي فهي جاءت عن طريق الخبرة. والمقام لا يسمح الى تفصيل المطلب فلسفيا ومنطقيا، لكنه استوجب الإشارة فأشرت إليها.

[16]. استعارة هذه الالفاظ لا علاقة لها بالتّشابة الشّديد مع الاية القرآنية المباركة، وان كانت الاية كاشفة عن تحقق النّظرة الشّمولية وامكان حصولها. اشارة الى شمولية النّظر الى الاشياء وهو نظر متحقق. بدلالة نص القرآن الكريم، (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَانِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡ وَلاَ تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَاكِرِينَ) الذي اشارت اليه سورة الاعراف المشرفة في الاية (17).

[17]. لان التّفكير في هذا المطلب أحال الموجودات على ثلاثة أنواع، أو لنقل ثلاث أفكار. فكرة (المرئي-المتجسد) في الموجودات الواقعية. و(اللّامرئي- المتجسد) و(اللّامرئي-اللّامتجسد) في الموجودات الماورائية، وواقع الحال يكشف لنا انشغال الإنسان طويلا في تقريرها كأفكار، حتى يمكننا ملاحظة ذلك، فالمعيار في مجمل تقريرات المعرفة كان منصبا حول تصنيف الموجودات بين حضورها الجسدي واللّاجسدي، وفي الغالب تكون هذه الأفكار أساسا لوجود المعارف، أو لنقل إنها كانت بمنزلة البذرة التي نمت فأصبحت بكل هذه التّفرعات المعرفية.

[18]. ارتباط الصّورة بالذّات وبالجسد ارتباط قديم جدا، لأنها تشير دائما إلى صاحب الذّات، حتى بعد أن يقوم فعل الفناء بإزاحته من ساحة الوجود، ولهذا السّبب ولغيره فضلت التّسمية في الكثير من الشّرائع فالاسم الذي يلحق بالأبناء بمثابة الحضور الجنيولوجي فيهم، ما داموا في ساحة الوجود، لان التّسمية ستبقى متداولة بعد رحيل (الذّات).

[19]. مطاع صفدي، نقد العقل الغربي-الحداثة وما بعد الحداثة، مصدر سابق، ص 20.

[20]. المصدر السّابق والصّفحة ذاتها.

[21]. المصدر السّابق والصّفحة ذاتها.

[22]. بعد ظهور القواعد الدّليلية في مجال المعرفة المتخصصة المسماة وفق الاصطلاح الفلسفي بـ(الانلوطيقيا)، انتقل الإنسان فكريا إلى محطات كبيرة وفاعلة، حتى أن انتقاله هذا يعني انتقال من اللّادليل إلى الدّليل، بمعنى أن حضور البرهان أو التّعليل أو التّبرير، اخذ يشكل الحد الفاصل بين الأيمان بالقضية - أي قضية - أو عدم الأيمان بها، بين التّصديق أو التّكذيب.

مفهوم الخطاب والخطاب الجسدي.


 يتبادر إلى الأذهان بصورة عامة بمجرد سماع لفظ (الخطاب) توجهنا إلى ذلك المفهوم الأبرز المتداول كثيراً في ممارساتنا الحياتية اليومية. الذي نستطيع أن نصفه بأنه بشكل أو بآخر مرتبط بالمقاصد اللّغوية، سواء أكان على مستوى المشافهة والحوار أم على مستوى النّصوص الكتابية، وهو ليس كذلك، وإن كانت في هذه الدّعوى ثمة فوارق تفصل ما بين المحكي المسموع وما بين النّصي المقروء، فان إحالة تبادر الذّهن نحو مفهوم الخطاب كثيرا ما ترتبط وبنحوٍ متساوٍ بين كليهما، نتيجة لارتباط المفهوم أصلا بعلاقات التّواصل والتّفاعل الخارجي مع (الآخر)، وهي لا تكاد تنفك بالفعل عن ممارساتنا الحياتية اليومية. لكن هذا الاقتران الذّهني وان كان هو الذي يمثل حدود التّداول والشّائع إلا انه في حدوده الأخرى يقترن بالمعنى وبالصّورة وبالحركة وبالحجم والحيز الذي يحتله في الزّمان والمكان، بل ويقترن في كل شيء يمكن لحواسنا أن تصل إليه ولعقولنا أن تفكر به. إذاً فهو بهذا المعنى أكثر شمولية من تلك المقاصد اللّغوية (المحكية أو النّصية)، إنه يتعداها إلى أنماط من العلاقات التّواصلية غير تلك التي تلتزم ببنية اللّغة المجردة[1]. بل ويمكننا القول من خلال تقصينا له عبر دفق جنيولوجياه وبشكل اركيولوجي، بأنه في بادئ الأمر كان لا يمت صلة بهذه المقاصد اللّغوية، غير أن شيوع التّداول اللّغوي وتطور الدّراسات النّحوية والبلاغية وعلوم أخرى في الدّرس اللّغوي كالتّأثيل والتّعجيم، كان مسبباً في تبدل ارتباط الخطاب كمفهوم بمقاصد اللّغة ذاتها، حتى تحقق هذا الارتباط الذّهني بين الخطاب والمقاصد اللّغوية، وكأنه يمثل مسلمة شائعة. على الرّغم من انحسار الدّرس اللّغوي اليوم في أوساط نخبوية، وتراجعه أمام بلاغات أخرى أكثر فاعلية في التّواصل، كذلك التّواصل الذي يحقق نوعاً من التّلاحم الاجتماعي بين قوميات اثنولوجية مختلفة ومتعددة، من دون الحاجة إلى المقاصد اللّغوية واللّجوء إليها. إذاً فالخطاب (Discourse) واحدٌ من المصطلحات المعقدة التي ينفتح فيها التّأويل على جملة من المفاهيم ومجموعة من المقاصد، وما اللّغوية إلا واحدة منها.

الخطاب أكثر سعة من الأشياء؛ لأنه فيها ويتعداها. وهو جامع لكل الأفكار بل وقادر على نموها وتوليدها بصيغ أخرى، انه خلاصة التّفكير في ما لو كان إجمالاً، وإسهاب في التّفصيل في ما لو كان إمعاناً، يرتبط بالمجتمعات والأفراد، بالمعارف والشّرائع، وله القدرة على تحديد الهويات وبيانها؛ لأنه يأتي قبلها، هو الذي يحدد ما نكون عليه، ولا نحدد (نحن) ما يكون هو عليه، وان حدث؛ فذلك يستتبع نتائج معطياته. إذ لا شيء هناك آتٍ من العدم، وإنما هي نتائج إثر نتائج، وتجريب يستدعي قواعده في الأداء، الخطاب " هو ما نصارع من أجله، وما نصارع به وهو السّلطة التي نحاول الاستيلاء عليها "[2]. وفي الوقت ذاته هو النّسيج المتداخل في كل شيء وفي معقوليات الأشياء كذلك، إنه مشكل الأنظمة السّتراتيجية، تلك التي تتخفى داخل البناء الاجتماعي، وهو الذي يروج لذاته على الرّغم من عدم قدرتنا على تحديدها. ليس لأنه من معميات الفكر وإنما لأنه لا ينفصل عن هوية الذّات الجمعية التي تنتجه، الأمر الذي يدعو إلى تعدد المفهوم وتشعبه لحدود تفوق التّصور[3].

إن أهم ما يميز الخطاب كحضور فاعل وفي كل المجالات بحسب تقصي وجوده ظاهراتيا، في مجرى شائك ومتصل بل ومتسلسل كذلك بشكل متتابع ومتلاحق في حدود لا نهائية، وعلى عمق متفاوت النّسبة بين تحولاته في ذاته بحدي (الماقبل والمابعد)، نجد أن أهم ما يميزه هو انفصاله عن كونه مجموعة قوانين أو محددات وتجرده عن الاكتفاء بزي واحد في حضوره الفاعل، إنه كالمنفلت اللّين الرّطب الذي نشكل به ما نشاء من أشكال، إلا انه يشكل ذاته بذاته ويؤكد حضوره في أنظمة التّداول، من دون احتياج إلى ظهور فيزيقي له؛ لان حضوره العمومي تطلب منه خلع خصوصيته وارتداءها لاحقا من قبلنا (نحن)، فنحن من نمثله ونحن من نتلبس به، انه أول أقنعتنا في التّخصص والتّميز والتّباين، وهو أول ما يكون حاضرا فينا على الرّغم من شدة التّخفي وسهولة انصهار الذّات (أنا) أو (نحن) فيه، إن تمييزه يقع بعد غفلة ظهوره القسري ذلك الذي لا فرار منه، وكشفه يقع تحت طول مرارة ومعاناة المتحرر تجاه المتسلط، من فرط ما اخذ يتحكم في الذّوات على الرّغم من أنها جاءت إليه تسعى في بادئ الأمر، إن للخطاب حضوراً مملوءاً بالمفاجآت؛ لأنه متبدل في أردية التّحكم فينا[4].

وان أهم ما يميز الخطاب كحضور فاعل كذلك، هو حضوره المتعدد في مجموعة من المعطيات التي تؤكد وجود دعواه على انه لباس العصر، أو لباس التّقدم، أو أي مسمى آخر، كالتّطور مثلا، أو كونه حاجة ملحة وغير ذلك، إلا أن هذه المعطيات بشكلها الشّمولي هي صنيعتنا، وعلى مر التّاريخ الممتد قدما في (الماقبل) أو المتلاحق استقبالاً في (المابعد)، فـ(نحن) نظفي عليه في حضوره المتخفي أبعادنا الفكرية التي يمكن حصرها في المحاور الآتية: أولاً: البعد المنطقي أو لنقل الابستمولوجي بشكل أعم؛ الخطاب يعلن عن حضوره وسرعان ما نعلن أنه كالمقولات المتعالية (Transcendental) على المعرفة، انه قيمة فوقية تتصف بما يتصف به المتناسق والجميل والنّافع، إننا نمنحه وبشكل (جمعي) مقومات وجوده فينا، نختط له طريقاً معبداً ذا نزعة مثالية، حتى يغدو نتيجة استقبالنّا المعرفي له وكأنه مما يستحيل الانفكاك عنا؛ وذلك من شدة ما تأملنا فيه، وسرعان ما يتيح لنا توالدّ الأفكار، ويجبرنا على الالتّزام به لأنه أخذ يمارس وبشدة دوره المتسلط علينا وهذا ثانيا: البعد السّلطوي، إذ نمنح الخطاب قدرة على التّحكم والهيمنة، من خلال تأسيس جملة من الضّوابط الالزّامية التي تتضح بشكل تدريجي، ولا يخفى على المتطلعين ما (توفره هذه الطّريقة للخطاب من فرصة ادعاء (إرادة المعرفة) واحتكارها، على اعتبار أن الحقيقة محجوبة ومكتومة ومصادرة. ولكن الخطاب وهو يقوم بهذا الادعاء فانه يمارس حجبا وكتما وإزاحة؛ ذلك أن السّلطة التي يُدّرعُ بها تتمتع برصيد هائل من القوة والهيمنة) [5]، تدعوه إلى ترسيخ برامجه السّلطوية ورقابته الدّائمة وعنفه المتواصل. وهنا لا يكون الخطاب سوى أداة للتعبير عن إرادة جماعة تسعى إلى فرض خبراتها وتصوراتها بما تتمتع به من حضور وسلطة. أما البعد التّداولي: وهو ثالثّا، فإن الخطاب يسعى دائما لاكتساب الموضوعية التي تمثل جميع الأحداث، ومن خلال بحثنا نحن كمجموع عن المشتركات الرّابطة في ما بينها، وكأننا نقوم بعملية صوغ للمفهوم الكلي بحثا عن أجزائه. حتى يتداول الخطاب سريعاً في أوساطه الاجتماعية، وهنا يتم دعمه بأكثر من وسيلة وبأكثر من طريقة، ولا يبدو التّداول أمراً طارئاً، وإنما هو في حد ذاته (حدث). تماماً كما الأقوال في أنظمة التّداول تعد (حدثاً) ؛ أليس الخطاب كمصطلح: (يستخدم للإشارة إلى مجموعة أقوال أو أحداث ذات صلة بعضها ببعض)[6]، حتى وان كان تداولنا لها هو السّبب في وجودها، والموضوعية التي انطلق منها مسبقا تؤكد عدم خصوصية أي أحد منا في تداوله، وإنما يقوم الجميع بإشراك نفسه في تداول الخطاب، سواء أكان ذلك بقصد أم بغير قصد؛ لان " العالم الذي أحوزه في أصل نظرة الآخر ليس خاصا إلى هذا الحد{حتى وان أصبحت} في نفس اللّحظة شبه متفرج تجاهه"[7]. وهنا ينفتح التّداول في رقعة المكاني ودفق الزّماني، ليتسرب كما لو أنه (الهواء) إلى الجميع، لكن لكل منا حضوره وفعله فيه.

إذاً فالأبعاد التي تجسد الحضور المتخفي للخطاب هي: البعد المنطقي، والبعد السّلطوي الالزّامي، والبعد التّداولي الانتشاري، أو الذي يحقق انتشاره. إن الخطاب ارتبط في حضوره ومنذ البداية كمحدد لتوجهات الإنساني، أو لنقل انه محدد لتوجهات الجسدي، وهذا الارتباط الذي يثير القلق؛ ليس لأنه من جهته التّاريخية يعود قدما إلى المرحلة الابتدائية الأولى، (الماقبل)، وإنما لكونه يعود إلى ذلك التّشيؤ الذي اتصف بطابع (بايولوجي) من جهة، وطابع (جنيالوجي) من جهة ثانية، أي أنه بعوده المؤشر إلى لحظة وجوده في الخط المتراجع زمانيا يؤشر إلى تلك اللّحظة التي تولدت فيها القدرة على انفصال العضوية الحية عن الشّيئية المادية الجامدة، والخطاب على هذا توأم (الجسداني) ما دام هو نامياً حساساً متحركاً بالإرادة، انه الموجود بلا شيئية قدماً، والمتسابق بلا خصوص يحدد فيه الهوية لحوقاً، وكأنه ما يمثل الامتداد في شرعنة الانقياد، والتّوأم الذي يحرك الوليد ولا ندري لماذا هو يتحرك، انه يثير فيه التّفكر ويدعوه في الوقت ذاته إلى الاستغراق في ذاته وفي الآخرين وفي الأشياء وما يجاورها، انه يدعو إلى كل شيء وليس كل شيء إلا في دعوته.

الجسدي في وجوده الفاعل والمنفعل في طبعه محبٌ لمشاركة الآخر، ولوجوده، ولولا دفع هذه المحبة لما كان هناك خطابٌ أصلا، أن يعني بقائي بمفردي في هذا العالم (وجودا) فهذه مسألة يصعب إقامة البرهان عليها أو إقامة الدّليل، لان وجودي لا شك في أنه مرتبط بوجود الآخر، وهذا الأخير على قدر كثرته وتعدده وتنوعه (عدداً وعرقاً وجنسانيةً) وبما هو جسداني كذلك تطلب أن يكون هناك خطابٌ في ما بيننا (أنا) و (هو). وبحسب المنهج الاستقرائي فان الجسدي في جسدانيته هو في حد ذاته مفردة خطابية، أو أن له القدرة على نشوء النّظام الخطابي الأول. خاصة بارتباطه مع الفعل وتأويل هذا الفعل، حتى تكونت لدينا جردة طويلة بالأفعال ومعانيها أتداول فيها مع الآخر، وافهمه ويفهمني، وبالإمكان أن نقول إن في هذا الخطاب الاشاري الجسدي تمكث نقطة الشّروع الأولى وانطلاقة الخطاب إلى حيز الوجود على الرّغم من أنه وجود متخفٍ خلف نوازعنا وحاجاتنا، أنا من جهة والآخر من جهة أخرى، وهكذا بيني وبين المجموعة في توصيفها اللّغوي (نحن)، أو بيني وبين ما يماثلني في الجسدانية والجنسانية (هي)، على الرّغم من خلافات النّافر والغائر في ما بيننا كتوصيف مورفولوجي. إذاً فالخطاب العام والأول هو الخطاب الجسدي، وهو أول ما يحقق التّداول في لغة جسدانية، تكونت حتى قبل وجود الخطاب اللّغوي ذاته بعشرات الآلاف من السّنين الممتدة في عمق (الماقبل). على أن لا يفقد الإجمال هنا في طرحنا لأفكار نراها مناسبة لدعم الفكرة الأساسية وهي: أن الجسداني أول محفز لنشوء الخطاب وأن علة هذا النّشوء هي (الآخر).

إن اللّغة الاشارية الجسدية هي اللّغة الأولى، وأن الخطاب الاشاري لا يرتبط بقضايا سردية مفاهيمية، وإنما هو قاصر على الارتباط المباشر بما هو في محيط المشاهدات. الإشارة كوسيط تداولي جسدي (مكثف) بلاغي يحيل على المشار إليه، وهنا لا يكون الجسد إلا لغة خطاب حسية أو هي مرتبطة بما هو حسي، أو لنقل إنها غير منفصلة عمّا هو عياني أو مسموع أو ملموس... الخ، ثم إن التّعبير فيها لا يحتاج إلى تكلف وعناء كبيرين، وهكذا فالاستقراء العقلي يؤكد حضور الصّوت مع الإشارة لاستخدامه في زيادة التّعبير*، واللّغة الجسدية الاشارية ليست مما يكتسب؛ لأنها في حضور دائم مع حضور الجسدي، إذ يتيح هذا الحضور سهولة التّداول وسهولة التّلقي، والمعاني في الحوار الجسدي لا تتعدى حدود إشباع الملذات والارتواء منها (مرحلة صيد الحيوانات وجمع القوت)، الجسدي في هذه المرحلة مع انصهاره في النّظام الطّبيعي يكفي أن يكون هاجس النّوع هو المبدأ الذي يشكل أولى العقود الجمعية حفاظا على النّوع ذاته، جراء ما في الطّبيعة من تقلبات بيئية وكوارث مهددة له، غير انه ومع ذلك الشّعور الجمعي أدرك أن بقاء الجسدي مرتبط بشكل أو بآخر مع الجسد الأنثوي، هذا الجسد الذي يحقق إشباع الملذات والارتواء والحفاظ على النّوع، ومن هنا اكتسب علة مصدرية، تشير إلى سلطة الوجود بالقدر الذي تشير فيه إلى دفق البقاء. والبقاء هنا عامل إنتاجي يقف الكيان الأنثوي في جهة قبال العامل الاستهلاكي، إذ تقف الطّبيعة في الجهة الأخرى، وهي تهدد بحصول كوارثها البيئية. إن انقراض (النّوع) أو (الموت) من أيسر معادلاتها تطبيقا. سرعان ما تحول الجسد الأنثوي إلى محل تمجيد وتعظيم في بنية الخطاب الجسدي، الأمر الذي يتطلب منا تحديدا لمفاصل ما تقدم بنحو يمكننا الحصول على نتائج الاستقراء، قلنا: إن الخطاب الجسدي أول ما وجد من خطاب وانه توأم الجسدانية ذاتها، وان هذا الخطاب لم يكن متوقفاً على علة في حدوثه عدا علة وجود (الآخر)، ولولا وجود الآخر لما أمكن أن يكون هناك خطابٌ أصلاً، وقد فُعّلَ هذا الآخر في أنظمة خطابية تشير إلى بقاء المجموعة؛ لان ما يمثل (الذّاتي) لم يكن له وجود بعد[9]، وبشكل متدرج تم وبمثابة الإدراك المتأخر انتخاب الجسد الأنثوي ليكون سبباً في البقاء على النّوع، غير أن هذا الانتخاب دالٌ على أن نظام الخطاب قد تطور؛ لان التّعامل مع الجسد الأنثوي على انه واهب النّوع يعني إحالتّه على مفهوم كلي يمثل الجسدانية كلها، وهذا الحساب والتّدرج من الإشارة الجزئية إلى معناها الطّبيعي المتلاحم، ثم إلى المفهوم الكلي تمثلاً في الجسد الأنثوي يعني أن اللّغة الجسدانية قابلة للنمو في أنظمة التّداول على الرّغم من أنها تمثل البداية فيه. في كتاب للباحث[10]، عن مراحل الوعي الإنساني وأهمية الوعي الجمالي، لأنه المتصدر في سلسلة تطور الوعي ذاته، تم التّأكيد في محله، بأن الوعي الجمالي هو أول أنواع الوعي، إلا انه ليس بأول أنواع الخطاب، لأنه قد ثبت هنا أن الخطاب الجسدي هو أول عتبات تطور نظام الخطاب والوعي فيه. إلا انه (أي الجمالي) هو أولى الممارسات في تفعيل الخطاب الجسداني، وكأن هذا الوعي جاء متمماً لاشتغالات الخطاب. فقد دفع الاشاري في آليات التّداول إلى توظيف (الصّورة) بحثاً عن معادل موضوعي بين الجسدي المصور والصّورة المتجسدة، إلا أن هذا التّوظيف- وبرصد ظاهراتي للمنجز البدائي في آثاره الكهفية- لم يتجاوز حدود إشباع الملذات والارتواء منها، وبقي الهاجس مرتبطاً بصيد الحيوانات وذكر النّوع في أجساد مصورة على جدران الكهوف، وتمجيد الكلي في بنيات شكلية رمزية (الآلهة الأم) [11]، وهذا يعني أن نظام التّداول اعتمد على الخطاب الجسداني وعلى خطاب الصّورة الجسدانية.

إذاً فالجسد في نظام الخطاب قد تطور إلى وعي جمالي بعد أن كان التّداول مكتفياً بوسائط إشارية، أو لنقل إن التّعامل مع (الصّورة) قد دفع إلى وجود خطاب آخر وهو الخطاب الجمالي. ومن هنا تبدأ الإشكالية في الخطاب؛ ليس لأنه يستلزم في نظامه ميكانزمات بناء الصّورة فقط، بل لأنه كان وما زال يستلزم حضور الجسدي وعلى مر خطي (الماقبل والمابعد)، ولان الخطاب الجمالي الجسداني فتح الباب لكل أنواع الخطاب الأخرى لان تأتي على مسرح هذا الوجود بشكل متتابع، وبحسب الاستقراء أرى أن الفضل ليس في تكامل الجمالي في دعم او نشوء الخطاب الإنساني بما فيه من تنوع وتعدد، وإنما هو في الحضور المشترك لكل من الجسدي وصورته المتجسدة، حتى أنني أستطيع أن أقول بأنهما أخذا يشكلان في اشتغالهما المشترك غراماطولوجيا الخطاب الذي بقي مستمرا حتى هذه اللّحظة من دون توقف. وهذه الاستمرارية في حد ذاتها إشكالية أخرى تستدعي الإمعان والنّظر؛ لان الجسدي اخذ في حضوره يمثل سلطة عليا ليس من اليسير تخطيها في الجانب الابداعي الشّكلي الذي يستدعي حضور الصّورة، وكأنه ذلك الـ(غرافيم) او الوحدة الخطية التي تمثل الخطاب بالكامل، أو هو القيمة التيرمينولوجية لمفهومه. أو لنقل إن كل ما دون بعد الخطاب الجمالي الجسداني في ميكانزمات صورية، إنما هو يعود إلى تلك البداية الكهفية في تاريخ البشرية، فنحن مدينون لها ليس لأنها نقطة الشّروع الأولى فحسب وإنما لأنها قد شكلت (غرافولوجيا: Graphologie) الخطاب الذي اعتمد على حضور الجسدي بشكل أساسي.

كلية الفنون الجميلة - جامعة بغداد
2012

=====================================================
[1]. للمزيد عن إشكاليات الخطاب اللّغوي يراجع:
- Chris Barker, Dariusz Galasinski, Cultural Studies and Discourse Analysis: A Dialogue on Language and Identity- Cultural Studies, SAGE, 2001.
وللاستزادة يراجع كذلك:
- Chris Barker, The SAGE Dictionary of Cultural Studies, SAGE, 2004.
- Michael Payne, Reading Knowledge: An Introduction to Foucault, Barthes & Althusser, John Wiley & Sons, 1997.
[2]. ميشيل فوكو، نظام الخطاب، ت: محمد سبيلا، دار التّنوير للطباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، 2007، ص9.
[3]. ينظر للاستزادة حول مفهوم الخطاب باللّغة العربية: محمد علي الكبيسي، ميشيل فوكو، تكنولوجيا الخطاب، تكنولوجيا السّلطة، تكنولوجيا السّيطرة على الجسد، ط1، دار سراس، تونس، 1993، ص18-22.
[4]. للمزيد حول مفهوم السّلطة في الخطاب وتداول اللّغة ينظر:
- Norman Fairclough, Language and Power- Language in Social Life Series, second printing , Longman, 2001.
[5]. ينظر حول فكرة إرادة المعرفة: ميشيل فوكو، نظام الخطاب، مصدر سابق، ص 15-16، وكذلك: عبد الرّحمن التّليلي: فوكو: الحفريات منهج أم فتح في الفلسفة؟، مجلة عالم الفكر، م 30 ع 4 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002، ص 22. وكذلك:
- Walter Privitera, Problems of Style: Michel Foucault s Epistemology - Suny Series in Social and Political Thought, SUNY Press, 1995.
[6]. أيان كريب، النّظرية الاجتماعية – من بارسونز الى هابرماس، ت: د. محمد حسين غلوم، عالم المعرفة، ع 244، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1999، ص 245.
[7]. موريس مرلوبونتي، المرئي واللّامرئي، ت: د. عبد العزيز العبادي، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربي، ط1، بيروت، 2008، ص108.
* إن الإشارة الجسدية في منظومة الخطاب، وبتفعيل الصّوت المحاكاتي لما هو طبيعي في الخارج، ستتطور شيئا فشيئا حتى تكون اساسا للّغة المقطعية الصّوتية في ما بعد.
[9]. في الخطاب الاشاري الجسداني لم يكن هناك ما يدعو إلى حضور مفهوم الشّخصي أو الشّخصاني، الذي يترتب عليه تفعيل الذّاتي في رؤية مستقلة، لان البعد الاشتغالي الذّهنوي لم يكن بعد متطلعا على سحر التّصورات الكلية، تلك التي تقوم باختزال الكون والوجود في كلمة مجردة عن التّوصيفات الجزئية الطّبيعية، تلك التي كان الإنسان في خطابه الجسدي غارقا بها، ولكن وعلى الرّغم من ذلك فان للفرد وليس للذات أهميته الكبرى لأنه يمثل المجموعة، ولعل هذا القول لـ(دافيد لوبروتون) في كتابه (انثروبولوجيا الجسد والحداثة) يؤيد ذلك: " إن الجسد يوجد في قلب العمل الفردي والجماعي، وفي قلب الرّمزية الاجتماعية " ص5.
[10]. احمد جمعة، الوعي الجمالي- دراسة في التّطبيقات الشّكلية البصرية، دار الأصدقاء، بغداد، 2009، ص43-77.
[11]. ينظر للمزيد: تانيا عبد البصير محمد، رسوم الكهوف- أنظمتها الشّكلية ومرجعياتها الفكرية- دراسة تحليلية، أطروحة دكتوراه فلسفة في الفنون التّشكيلية/ رسم، جامعة بغداد، 2005، بحث غير منشور.

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

(العِلمُ) ، المفهوم والتفسير.




        ربما يشير العنوان إلى مطلب يتعلق بنظرية العلم  ،  وهي كنظرية تبحث في متعلقات العلم  ،  أو بماذا يهتم العلم  ،  لكني هنا أود أن أبين ما هو العلم أصلا . من خلال أفكار بعض كبار أهل المعرفة  ،  فكثير منا عندما يسأل عن العلم ما هو : يجد السائل فينا حيرة كبيرة  ،  وتخبط في تصوراتنا حول هذا المفهوم الذي يبلغ من البداهة ما يجعله غير قابلا للتعريف أو الحد  ،  ولأجل ذلك أحببت أن أبين وفي سطور مختزلة ما هذا المفهوم وما هو تفسيره  ،  لكن بطريق علمي ومقتضب.

        عند النظر إلى هذا المفهوم وتقصيه في أنظمة المعرفة المثالية  ،  يجد أي متطلع لطروحات المفكرين حيال هذا المفهوم ما يجعل منه محط غموض  ،  دون تفسيره  ،  وواقع الحال أن الحدود تستعمل لبيان ماهية الشيء  ،  دون إبهامها  ،  وبما أن المفكر المثالي يلتزم الحجة المنطقية  ،  لاسيما في شروط الحدود كما هي في كتب أو مؤلفات اغلبهم  ،  وفضلت أن أتماشى مع ما اشترطوه  ،  في مبحث التعريفات  ،  عندهم  ،  وحاولت أن استعرض المفهوم بشكل متسلسل اكرونولوجيا  ،  إلا ما عارض ذلك من تواز أو تداخل بين احدهم والآخر في المكان والزمان .

        يقول أفلاطون إن"العلم إحساسا أو حكما صادقا"أو"ظنا صادقا مصحوبا ببرهان".([i])  وفي هذين التعريفين نجد أن العلم معرفا عند أفلاطون ،  في كونه إحساساً أولاً ويتبعه الحكم ثانياً. وعلى أن يكون الحكم صادقا في المرحلة الثالثة. وهذه التتابعية لا تصلح لان تكون تعريف للعلم ،  هذا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار(قواعد التعريف)  المنطقية ،  علاوة على كونه(ظنا)  في التعريف الثاني ،  والمعرفة لا تبنى إلا على التصديقات اليقينية عادة. صحيح أن المعرفة الظنية يعتد بها في أكثر المسائل ،  إلا أن النتائج غالبا ما تكون يقينية. وبما أن التعريف في نظر الباحث يعد نتيجة ،  لذا يجب أن يكون يقينيا ،  لان  "الغرض من الحدود والرسوم التصديق" ([ii].

        قد يرى البعض أن مثل هكذا نقد أو مناقشة لا تصلح مع أفلاطون ،  الذي يعد من المؤسسين لعلم المنطق ،  إلا انه لا إشكال في مناقشة الآراء والأحكام معرفيا ،  كما انه لا عيب في أن لا يتوصل الإنسان إلى حد من الحدود ،  فهذا العالم الغزالي يقول عن العلم في كتابه المستصفي ، "يَعِسُ تحديده على الوجه الحقيقي لعبارة محررة جامعة للجنس والفصل الذاتي ،  فإننا بينا أن ذلك عسير في أكثر الأشياء بل أكثر المدركات الحسية يتعسر تحديدها فلو أردنا أن نحد رائحة المسك أو طعم العسل لم نقدر عليه و إذا عجزنا عن حد المدركات فنحن عن حد الإدراكات اعجز لكننا نقدر على شرح العلم بتقييم ومثال" ([iii].

        والمهم في تعريف أفلاطون السابق هو عدم الشمولية ،  وأحد شروط التعريف أن يكون شاملا لما هو معرف ،  وعدم الشمولية تكمن في كون التعريف غير جامع للمدركات العقلية ،  التي غالبا ما يتوصل الإنسان إليها عن طريق أخر ،  غير طريق الإحساس فكأن المعرفة عنده حسية فقط. وبما أن أثاره الفلسفية تشير إلى وجود المعرفة العقلية في أبحاثه ،  فإننا نقطع بصحة هذا التعريف فيما لو كان مختصا بالموجودات الحسية ومعرفتها من هذه الجهة فقط. وقد عاكسه في المطلب أرسطو  ،  فإذا كان العلم عند أفلاطون يأتي من الإحساس الصادق فإن أرسطو يؤكد على أن العلم إنما هو صدق البرهان  ،  لما تميز به من أفكار منطقية.

        ولأنَّ الدرس المنطقي كان عند الفلاسفة العرب أكثر شمولية و أدق تشخصا ،  و تأكد أثارهم أو هي تشير إلى أنهم بلغوا فيه مبلغا عظيما. الأمر الذي دعا لان تسير هذه السطور على تحقيق تعريفهم للعلم. فالأشعري: يعرف"العلم بما يوجب بمن قام به كان عالما"([iv])  وعند المناطقة هذا التعريف باطلا كذلك ،  أو تعريف للمبهم بمبهم غيره. لأنه قد وضع المشتق(العالم)  في حد المشتق منه(العلم)  ،  وهذا يحتاج إلى بيان ،  وإلا فمن لم يكن يعرف معنى أو(حد) (العالم)  ،  جهل التعريف كله ،  وهذه حجة الغزالي([v] ،  ولان من شروط التعريف أن لا يُعرّف المبهم بمبهم آخر بل يُعرّف بلفظ بيّن. كما أن هناك جملة من التعاريف يذكرها الغزالي ،  في أكثر من موضع ،  متناثرة في متون كتبه محك النظر و المنخول في تعليقات الأصول وقد أشبعت نقدا ،  وهذا يدل على رفعة الغزالي العلمية وهي:

العلم هو: ما يعلم به.
أو: صفة يتأتى للموصوف بها إتقان الفعل و إحكامه.
أو: تبين المعلوم على ما هو عليه.
أو: درك المعلوم.
أو: الإحاطة بالمعلوم.
أو: معرفة المعلوم على ما هو عليه.  

        وكانت حجته على التعاريف بالغة ،  نذكر منها حجته على التعريف الأول ،  في كون الحدود أصلا وضعت لغرض التوصل إلى بيان أو معرفة الشيء ،  ولا بيان في هذا التعريف. وقد عاود الغزالي لنقد هذا التعريف في كتابه(المستصفي)  و غيره ([vi] وما ذلك إلا لغرض التوصل إلى الحد الحقيقي للعلم. وبقية المناقشة الخاصة بالتعاريف السابقة الذكر سنعرض عنها لغرض الاختصار. والمهم أنها جميعها لا تصلح لان تكون تعريفا جامعا مانعا كما يعبرون في شروط التعريف المنطقية([vii].

        و أما المظفر ،  فيرى أن العلم هو"حضور صورة الشيء عند العقل"([viii] ،  وعلى الرغم من كونه يعد من أهل المعرفة بهذا المجال ،  إلا انه جعل العلم محصورا في(الصورة) . وحضورها في العقل شرطٌ من شروط التعريف ،  الذي يمكن أن يطلق على العلم ،  ومن الواضح أن الأشياء التي هي بمدار معرفتنا ،  لا تكون بشكل الجمع أو صيغته محتوية على الصورة ،  إذ ثمة أشياء لا صورة لها ،  والبعض الآخر من الأشياء وان كانت لها صورة إلا أنها غير مرئية. الأمر الذي دعا لان نحكم على هذا التعريف بوصفة غير جامع ولا مانع. ونلاحظ أن(الله)  تبارك وتعالى مثلا ليس بشيء ولا صورة له ،  و علمنا به تعالى لا يعتبر علما بحسب هذا التعريف ،  وهذا أمر لا يستطاع تقبله ،  ولذا فالتعريف الذي يقيده المظفر يكون جامعا مانعا للعلم الحسي أو المعرفة التي تأتي عن طريق الحواس فقط.

        التعاريف المنطقية كثيرة ولا حصر لها ،  فمن خلال البحث والتقصي وجد الباحث تعاريفا أخرى منسوبة إلى الرازي أو المعروف بالقطب الرازي ،  وهو أن(العلم) : حصول نفس الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل. وبعضهم قال إن العلم هو : قبول النفس وانفعالها وتأثيرها بالصورة الحاصلة من الشيء. و أخر يقول : العلم هو انطباع صورة الشيء في الذهن ،  إلى غيرها من التعاريف([ix] التي لا تعد إلا فاسدة فيما لو راعينا الشروط المنطقية الخاصة بمبحث التعريف. ولكن هذا لا يعني أنهم ليسوا بمنطقيين. ولا يعني أنهم ليسوا بأصحاب معرفة. فلا يخدش ذلك أي شيء في مقاماتهم وعطائهم العلمي  ،  ولا يتصور البعض بأني ابغي التهجم على شخصياتهم العلمية  ،  أبدا ،  فأنا أود أن أوضح المطلب  ،  في انهم لم يعرفوا العلم  ،  وإنما وضعوا التعاريف هذه على سبيل وصف العلم ،  لا التعريف الذي يكون جامعا مانعا للمفهوم ،  فقد يُشْكَلُ على عامة التعاريف في كونها تناولت الجزئي دون الكلي ،  ولم يكن فيها حساب لمفهوم(العدم)  ولا حساب للمفاهيم الممكنة الوجود ،  ولا حساب لمفهوم المطلق إلى غير ذلك.

        هذا من جهة ومن جهة ثانية نجد أن المعرفة “لا تحصل بمجرد انعكاس الأشياء في الذهن – سواء أكان التصور ماديا كما يدعي الماديون ذلك ،  أم مجرداً كما يدعي أتباع الميتافيزيقيا – فإن انعكاس صورة الأشياء في المرآة لا يجعل المرآة عالمة بها ،  على اعتبار أن المعرفة تتحقق في حالة وجود وحدة بين المتصوِر(العاِلم)  والصور المنعكسة"([x](العاَلم) .

         و أما تعريف صدر الدين والعلامة الطباطبائي القائل بان العلم:هو“حضور مجرد عند مجرد"([xi]. فهو تعريف يشير إلى أن يكون الإنسان متصفا بتخليه عن المادة غير متعلق إلا بغيرها من الكمالات. فمقتضى حضور العلم للعالِم ،  أن يكون العالِم أيضا تاما في نفسه غير ناقص ،  من حيث بعض كمالاته الممكنة له. وهو كونه مجردا من المادة وهذا التعريف خاص لأهل الذوق والعرفان في تقدير الباحث.([xii] أما موارد نقده فهي“يرد على هذا التعريف انه لا يشمل العلم بالماديات بما هي ماديات ،  فإنها بما هي ماديات خارجة وفقا لهذا التعريف عن العلم والإدراك ،  ولان كون الله تعالى لا يعلم بالماديات بما هي ،  فهذا مطلب عجيب ،  وعلى اعتبار أن ما نريده من العلم هو إحاطة العالم بوجود المعلوم في أي مرتبة وجد فيها“([xiii].

        أما تعريف الشيخ محمد تقي اليزدي فهو“حضور ذات الشيء أو صورته الجزئية أو مفهومه الكلي لدى موجود مجرد“([xiv] ولا بد أن نضيف انه ليس من لوازم العلم أن يكون العالِم دائما غير المعلوم. و إنما من الممكن في بعض الموارد- كما في علم النفس بذاتها– أن لا يكون تعددا بين العالِم والمعلوم ،  وفي الحقيقة فانه في مثل هذا المورد تكون(الوحدة)  أكمل مصداق(للحضور) .

        يكتفي الباحث بذكر التعاريف السابقة ،  ويتبنى تعريف الشيخ اليزدي الاخير ،  لأنه تعريف جمع ما بين المادي والمعنوي. جمع بين المتشكل المرئي والمتشكل اللامرئي. جمع بين الحسي والمجرد([xv] ،  كما أن الباحث لا يعارض ما ذكره العلامة الشيرازي ،  وان كان الفيلسوف صدر الدين المعروف بالشيرازي يقول :"العلم من الحقائق التي إنيتها عين ماهيتها ومثل تلك الحقائق لا يمكن تحديدها إذ الحدود مركبة من أجناس وفصول وهي أمور كلية ،  وكل وجود متشخص بذاته ،  وتعريفه بالرسم التام أيضا ممتنع ،  كيف ولاشيء اعرف من العلم ،  وما هذا شانه يتعذر أن يعرف بما هو أجلى واظهر ،  ولان كل شيء يظهر عند العقل بالعلم به فكيف يظهر العلم بشيء غير العلم"([xvi].


 === الهوامش ===

([i]) . محمد محمود رحيم الكبيسي ،  نظرية العلم عند الغزالي ،  دراسة نقدية لطرق المعرفة ،  منشورات بيت الحكمة ،  بغداد ،  2002 ،  ص 25.

([ii]) . ابن سينا ،  التعليقات ،  تحقيق د. حسن مجيد العبيدي ،  منشورات بيت الحكمة ،  ط1 ،  بغداد ،  2002 ،  ص63.

([iii]) . الغزالي ،  المستصفي من علم الأصول ،  ط1 ،  مصر ،  1422هـ ،  ص 25.

([iv]) . الغزالي ،  المنخول من تعليقات الأصول ،  تحقيق محمد هيتو ،  دمشق ،  1970 ،  ص 36

([v]) . ينظر ا لمصدر السابق والصفحة.

([vi]) . ينظر:الكبيسي محمد محمود رحيم ،  نظرية العلم عند الغزالي ،  مصدر سابق ،  ص 20.

([vii]) . يذكر المناطقة جملة من الشروط وهي:1. لا يجوز التعريف بالأعم ،  مثل تعريف النحت بأنه فن ،  لان الفن اعم من النحت ،  والسبب في ذلك هو دخول الموسيقى والمسرح والرسم وغير ذلك. 2. لا يجوز التعريف بالأخص ،  مثل تعريف الإنسان بأنه طبيب أو مهندس أو فنان ،  لان الأخص لا يكون جامعا مانعا ،  فهناك إنسان وليس هو بفنان و طبيب. 3. لا يجوز التعريف بالمباين ،  مثل تعريف النحت بأنه حجر. 4. لا يجوز التعريف بالمبهم ،  مثل تعريف الممثل بما يكون فاعلا أو منفعلا. 5. لا يجوز التعريف بالدور ،  وهو على نوعين(واضح) كما في قضية البيضة والدجاجة مثلا ،  أحدهما متأخر أو متقدم في آن واحد ،  و أما الدور(المضمر) فيقع بمرحلتين أو اكثر ،  مثل تعريف الاثنين بأنهما زوج ،  والزوج منقسم إلى متساويين ،  والمتساويان يعرفان بأنهما شيئان ،  والشيئان يعرفان بأنهما اثنان وهكذا ،  ندور وصولا إلى التعريف الأول. ينظر في ذلك: سيد حسين الصدر ،  دروس في علم المنطق ،  ط 1 ،  مطبعة الزهراء ،  بغداد ،  1997 ،  ص 15.

([viii]) . الشيخ محمد رضا المظفر ،  المنطق ،   ص 14.

([ix]) 0 أدرجت التعارف هذه على الرغم من عدم ذكر المصادر لها ،  وذلك لقدم الاقتباس وتلف أجزاء كبيرة منه.

([x]) . السيد حسن إبراهيميان ،  نظرية المعرفة ،  ت:الشيخ فضيل الجزائري ،  ط1 ،  نشر مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر ،  لبنان بيروت ،  1425 هـ – 2004 م ،  ص 34.

([xi]) . المصدر السابق ،  ص 37.

([xii]) . ينظر المصدر السابق ،  والصفحة ،  حيث يؤيد ذلك.

([xiii]) . المصدر السابق ،  ص 38.

([xiv]) . محمد تقي مصباح اليزدي ،  المنهج الجديد في تعليم الفلسفة ،  ت: محمد عبد المنعم الخاقاني ،  ط ،  مؤسسة النشر الإسلامي ،  1409 هـ ،  ص 135.

([xv]) . لمزيد من المعلومات ينظر: الشيخ جعفر سبحاني ،  نظرية المعرفة ،  مدخل إلى العلوم والفلسفة والإلهيات ،  ترجمة الشيخ حسن محمد مكي العاملي ،  مؤسسة الإمام الصادق(ع)  ،  قم المقدسة ،  1424 هـ ق ،  ص 17-34.

([xvi]) . السيد صدر الدين محمود الشيرازي ،  الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ،  مطبعة أفق ،  م 3 ،  ط1 ،  مركز توزيع النجف الأشراف ،  سنة 1425 هـ ،  2005 م ،  ص 221. 

الأحد، 24 يونيو 2012

المنطق والمعرفة ، والحاجة الراهنة .

"((اطالب بأن يكون علم المنطق درسا منهجيا في المراحل التعليمية كافة))" 



المعرفة هي الإرث الحقيقي في تصور العقلاء، والتي تناقلت من فترة إلى أخرى بجهد الطالبين لها، وحيث لم يقوى الإنسان في بداية الأمر إلا أن يكون بدائيا في تعامله مع المعطيات فالإنسان اليوم يقوى على أن لا يكون كذلك، ولعل الأمر الحقيقي الذي يعد فاصلا بين كلا الحالتين هو(المعطى)، أو المعرف من بين جملة المجهولات أو المبهمات، و إذا ما أخذنا بالقول الذي ينص على إن الإنسان في بداية الأمر استطاع من خلال مواجهة المشاكل أن يبتكر حلولا تعد بالنسبة إليه انتقالات معرفية، فإننا سنقطع بان البدائي ليس بدائيا، إلا بطريقة استعمال المادة(المعطى المعرفي) أو كيفية استخدامها، إلا أن هذا وحده لا يعد مبررا كافيا لتقبل مثل هذه الفكرة من دون تحفظ؛ لعدم وجود الأدلة التي يمكن الاستناد عليها حيال ذلك؛ لان الداعي لوجود الفكر أو التفكير عند الإنسان في هذا القول، عد مشروطا بوجود المشاكل ومواجهتها، فلا يمكننا اعتماد هذه الفكرة وإن كانت المسيرة الإنسانية من جهتها المعرفية في تطور مستمر. وخير دليل على ذلك زماننا الحاضر، الذي انتقل انتقالاته الحالية الموصوفة بالتقنية الإلكترونية.

ولهذا يمكن عدّ السعي خلف المعرفة والبحث طلبا عنها من قبل الإنسان موصوفا(بالملَكة)، والذي لا يعني إلا أن يكون السعي بحثاً عن المعرفة من ملكات الحياة أو الوجود الإنساني، سواء أكانت هناك(المشاكل) أو لم تكن، إلا أن هذا لا يعني إلغاء وجود العوزات المتغيرة والمتنوعة والمعبر عنها بالمشاكل، فإن لها أهمية تكمن في كونها دوافع للسعي عن المعرفة، بل تعد أحيانا مبررات مهمة في مشروعية البحث – أي بحث علمي - ، وليس الغرض من الكلمات التي تقدمت، إلا التأكيد على أهمية المعرفة التي طالما تعلقت بالأمر المبهم، أو(المعميات)، والتاريخ يذكر لنا كيف استطاع الإنسان من خلال البحث والتجريب، أن يكشف المبهمات ويحيلها إلى مواد معلومة بالنسبة إلينا. وهكذا حتى بلغت المعرفة أوج عظمتها حينما انتقلت انتقالاتها الأولى في كشف النظام المجرد وصهره لتكوين اللغة. وعن طريق تراكباته يمكننا التفاعل مع الآخرين لأنه الوسيط الأمثل الذي يكون مادة للتعامل.

هذا(النظام) الذي ابتكره الإنسان تحديدا في منطقة بلاد الرافدين في الفترة الحضارية (السومرية) يعد بحق أول مراحل التفكير السليم، إذ يعد هذا الابتكار في بنية الخطاب من خلال اختزال الثنائية التي تتمثل في(العنوان والمعنون)، كشفا عن تداول مشفر للمعنى ، وكشفا كذلك لانتقالات المعرفة، لا لكونه ابتكاراً فقط أو لأنه نظام طيع في متناول الآخرين، و إنما لكونه قابلا لاحتواء فعل التعبير في المعنى أو(المعنون) ومشيرا إليه، أيا ما كان نوعه أو جنسه أو فصله، وللشكل الفني دور كبير في ذلك كما بينته في كتابي الأول ، الوعي الجمالي[1].

ولكن غاية الأمر في المسيرة المعرفية الإنسانية لم تكن في ابتكار الوسيط من قبل الإنسان، و إنما في كيفية الابتكار، ولعل هذا الأمر هو الذي دعا لان يكون مفسراً لتساؤلات تخص وجود القاعدة التي تربط ما بين مفاصل النظام نفسه، وكشف العلاقة فيما بينهما. كما يبدو أن القاعدة هنا أكثر تجردا من النظام ولهذا سعت الدراسات والأبحاث بعد ذلك لكشف هذه القواعد التي يعمل فيها النظام، والتي(يظهر) من خلالها نظاما متكاملا، على الرغم من إيماننا بأنه لا ينفك عن كونه تكاملاً نسبياً. ومن تلك الدراسات التي سعت لكشف القواعد أو(القاعدة) في النظام هي الدراسات اللغوية، و أولى تلك الدراسات وجدت في ارض الرافدين كذلك، غير أنها بالتأكيد ليست بمثل الدراسات الحديثة من جهة تناولها لمفهوم(القاعدة) التي يشتغل عليها النظام، ويمكن عدها أحد الدراسات الجنينية لمثل هكذا أبحاث، ولكي لا يأخذني الغلو في تمجيد السومريين، أود الإشارة فقط إلى أنهم أول المؤسسين لهذا الدرس اللغوي، ومن ثم وجدت الفلسفة لها طريقاً في المسيرة الإنسانية، بعد عناء من البحث المعرفي دام ثلاثة آلاف سنة تقريبا، حيث امتدت هذه الفترة من عصر أو مرحلة اكتشاف الكتابة، إلى فترة أو مرحلة الفلاسفة اليونانيين. فظهرت الدراسات المنوعة التي تحدثت عن غائية القواعد التي تحكم أواصر النظام، ومن هؤلاء الفلاسفة(أرسطو)[2] حيث أشار في كتابه(المنطق)، إلى كشف القاعدة التي تبرهن على صحة النتائج، في ما لو تم مراعاة تطبيقها عند التفكير.

وعلى الرغم من عدم تأكيد المدعى الذي يستشف منه أن(أرسطو) قد ساهم في تأخير البشرية بمثل هكذا تحرك نحو(الغاية) في كشف القاعدة أو(النظام)[3] ، نجد انه قد فتح الأبواب على مصراعيها أمام الساعين إلى طلب المجهول التصوري، أو تحويل المعلومة المعرفية غير المكتسبة إلى معلومة مكتسبة. وإلا فماذا يكون تطور المعرفة في ذات الجوانب التي تناولها(أرسطو) نفسه، غير كونها جوانب وجدت لها ما يدعو لوجودها، متعكزة على آثاره الأولى ومتخذةً منه منهاجاً قابلا لان يستحدث، انطلاقا من كون المعرفة ذاتها إرثا عاما. كما أن الأمر وان كان يبدو من جهة الإنشاء أو التكوين انه أمر طبيعي، وكذلك من ناحية(الارتكاز) أو حتى من ناحية توالي أو تتالي المراحل، إلا انه أمر مهم في سلسلة الحدث المعرفي بشكل عام.

 وبهذا لا يعاب البحث المنهجي الذي انشغل فيه أرسطو لكشف(نظام القاعدة المنطقية). ولا يحق لنا أن نصفهُ بأنه نظاماً لا جدوى لوجوده؛ لان هذا الوصف سوف لن يكون إلا قاصيً لكل الأنظمة التي تشتغل على القاعدة، كالرياضيات والفيزياء وغيرهما من المعارف، وبالتالي فهو إقصاء لنتائج المعرفة على شكل متواليات متسلسلة. ولان الإنسان بطبيعة الحال يتميز عن الموجودات(المخلوقة) بأنه واضع للمعرفة، أو المعارف النسبية بشكلها الشمولي. فكل العمليات الناتجة عن التفكير الإنساني، لا تكاد تخلو بأي شكل من أشكال الوعي و القصد في طرحها؛ ذلك لأنها أفكارا موضوعة من قِبلَهِ، حتى وان كانت بعض أفكار الإنسان تأتى إما لشدة التحسس و الإدراك المباشر للمفاهيم كما عند الحدسي، أو لشدة الاغتراب والعمل في إطار لا يحكمه التخطيط المسبق، اعتمادا على قدرة التجريب في ابتكار المنتج، إلا أن الإنتاج البشري الفكري لا يخرج إلا بقصدية واعية إلى المتلقي، على أن يكون لهذا(الفكر) أو المنتج، تأثيره المباشر العميق أو السطحي، لأنه مؤثرا تتأثر به المجموعة لاسيما وهو يعبر بطريق ما عنها؛ وذلك لأجل التخلص من المصاعب والتوجه نحو السعادة، ولو في فهم الأشياء واستثمارها على الأقل، ناهيك عن تحقيق المطالب وجعلها هدفا.

كما أننا نجد أن المعرفة في تناقل مستمر، وهي بهذا التناقل ترفد إلى جوانبها إضافات تأتي عن طريق تراكم الخبرة المكتسبة، سواء أكانت الخبرة قادمة من خلال تعامل الأفراد مع الأشياء لانجذابهم إليها- كما في التخصص- أو من خلال تعامل المجموع مع الظاهرة لأجل الخلاص منها أو تجاوزها. فالمعرفة تكاد تكون أشبه بالموروث الذي ترثه الأجيال لتقدمه إلى لاحقتها، ويجري التناقل مبطنا بهكذا غاية أساسها رفعة الإنسان من خلال تطوره، أو من خلال معرفته للمجهولات العامة. ومن هذه المعارف التي تناقلت من شكل إلى آخر متطورة شيئا فشيئا حتى بلغت ذروتها هي(المعرفة المنطقية)، التي يستند عليها الفكر الإنساني، لأنه قوام يحتاج إلى التنظيم أو إلى قواعد من خلالها يتم الوصل إلى نتائج تكون(سليمة) خصوصا أثناء عملية التفكير، هذا التنظيم جاء في علم المنطق لأول مرة وكما هو مشهور على يد أرسطو طاليس. وبوجه عام يمكن إدراج هذه التوجهات المنطقية، تحت نظرية(المعرفة الكلاسيكية)كما يعبرُ عنها[4]؛ وذلك لقدم تناول مطالبها العقلية أو الفكرية.

إلا أن هذا لا يعني أن المنطق كعلم، بما هو، لم يكن من جهة الوجود موجودا أو لم يكن الإنسان عاملا أو مشتغلا به، بل على العكس، والدليل انه كمفهوم معرفي كان الاشتغال به معلوما حتى قبل أرسطو، ثم نقلت إليه على شكل أبحاث دُفَعَّية. فهو أي المنطق كفكرة لم يولد عنده أو يكون هو المؤسس الحقيقي و الجنيني له[5] ، خصوصا وان المنهج الفيثاغورسي مثلا السابق للمنهج المثالي الأرسطي، تعامل مع الأشياء بإرجاعها إلى أجزائها وبالتالي تكون هذه الأجزاء غير منفكة عن مفاهيمها الكلية، و هذا دليل على وجود المباني المنطقية ومسمياتها على الأقل، أو إن الاشتغال بها عند المفكرين في ذلك الزمان كان معلوما، ثم تناقلت حتى وصلت(أرسطو) فمنهجها بكتابة المنطق تحت عنوان(الكليات والجزئيات)مثلا، بوصفها أحد الأنظمة التي يعمل بها الذهن البشري، وهكذا حتى وصلت إلى الإسلاميين، ثم إلى المفكرين من بعدهم وصولا إلى يومنا الحاضر، الذي يتمثل بالسعة والشمولية المعرفية.

ونحن بتأكيدنا لهذا نرجح أن يرد الاشتغال المنطقي إلى مرحلة موغلة بالقدم، تصل بحسب الاستقراء إلى نشأة الفكر الإنساني نفسه، فلنأخذ المسالة بشكل توسعي ونتوجه نحو النتاجات القديمة في مضمار الفكر القديم اللامنهجي، أو اللامنتظم بحسب قول الكثير من المختصين، وذلك لكون الإنسان قديما " لا يميز بمثل طريقتنا الاستدلالية ما بين الواقعي و الخيالي" [6] ، فمثلا عمليات السحر التشابهي والتشاكلي التي يعتقد أنها أول مرحلة من مراحل التفكير البشري التي يقوم بها الإنسان البدائي على شكل طقوس خاصة. أليست هي نوع من أنواع الدلالة ؟، وهي في تقسيم المعاصرين لأجزاء الدلالة تعد دالاً، ولهذا لا بد أن يكون لها مدلول، ومدلولها هو الغرض(المضامين الفكرية)، أو ما يترتب عليه الأثر الناتج من الطقس السحري نفسه، وإلا فلماذا تعمل أشكال هذه الطقوس، ولماذا تقام مراسيمها أصلا.
تأيدا لذلك يقول استأذنا الدكتور العلامة زهير صاحب" إن في معتقدات إنسان عصر ما قبل التدوين الأولى، في[العمل] الدؤوب لترويض الطبيعة بالممارسات والشعائر الدينية والسحرية، وإدراكه الخاص بحيوية المادة، واهتمامه بفاعلية التمثيل الفني للظواهر، و ملاحظة قوانين الطبيعة، وتواصله الروحي مع معظم الظواهر المتحكمة في مفردات حياته. قد وجدت لها حالة من الوعي والتشكيل الجديد في النتاجات التشكيلية، فأكسبت معنى ودلالات روحية وبما يتماشى وطبيعة هذه المرحلة الحضارية الجديدة. فهو عالم من القيم المطلقة[التي]تعلو عالم الظواهر المتغيرة ويتحرر من جميع تعسفات الواقع المعاش" [7].

 نعم قد لا يكون البدائي حين اشتغل على مثل هذه الشاكلة واعيا بما تعنيه(الدلالة) للإنسان الراهن، من خلال معرفته بالمادة العلمية المعاصرة، إلا إن الأشكال الطقوسية تأيد وجود مثل هذا(النظام)الدلالي،" فللقرن مثلا دلالة على القوة وللثور دلالة على الخصب والإلوهية كما في حضارة العراق القديم، وللنذور في كافة الحضارات دلالة على الطاعة وكما للون دلالات، وللدخان والأبخرة دلالات كذلك " [8] . وقد تتخذ المسالة قاعدة اكبر واعم من جهة الشمولية، لتتبع الطريقة التي نتوصل بها إلى الأفكار المجردة والتي نعمل بها في عقلنا المجرد، فيصبح التفكير في حد ذاته قائما على الدوال التي توصل إلى المدلولات أو(النتائج)، ولا يخفى أن الدلالة هي أحد مباحث علم المنطق أيضاً.

وهكذا لو تناولنا المباحث الباقية في جانب التصورات المنطقية كالقسمة والمفرد والمركب والكلي والجزئي...الخ، لوجدنا لها استخدامات كثيرة ومتنوعة في شتى مجالات الحياة الفكرية والعملية والعلمية، سواء أكان ذلك في ما قبل التاريخ أو بعده، على الرغم من وجود الفوارق ما بين الفترتين من جهة فهم ودراية وتحصيل المعلوم التصوري.

وعلى أية حال فإن لعلم المنطق(موضوع المقال) وجوده القائم بذاته [9] ، وهو من العلوم التي تبحث لغيرها، والتي تستخدم لغرض الحصول على الغاية، عوضا عن كونه من العلوم الآلية التي تعتمد على(القاعدة أو النظام)، في جميع خطواتها [10] ، وهو بهذا يعد الكاشف الحقيقي لصدق اغلب النتائج أو عدم صدقها، فيما لو راعينا تطبيق قواعده على النتائج نفسها، وهو الكاشف الحقيقي كذلك للمباني المعرفية في النتائج. وهنا يجب الاعتراف بان المؤشرات في الفكر البشري في ما يتعلق بالموضوع، كانت على جانب كبير من الأهمية في بلورة المعرفة، لاسيما عندما تكونت المجتمعات بشكل مجموعات، لها ما تملك من مقومات العيش والسيطرة على اغلب مصاعب الواقع، نتيجة للعمليات التجارية والزراعية والسياسية...الخ، وبشكل أخص عندما عرفت هذه المجتمعات المواد الأولية، التي تمثل الوسائط الاتصالية أو التي تمثل الأشكال، سواء أكانت تشبيهية أم لا، وبعد الأشكال الرموز حيث تعتبر الرموز، نوعا من أنواع الاختزال الشكلي لبنية الهيئة المصورة أو المرسومة. وكذلك الأمر مع الكتابة، حيث تعد تطورا تاريخيا في مسيرة الإنسان الفكرية، فهذه الوسائط التي تطورت شيئا فشيئا لأجل أن تكون مادة للتفاهم اللامحدود والعمومي؛ لأنها تمتلك قواماً استطاع الإنسان من خلاله أن يتعامل به ويستوعب طرفي الموجودات(المحسوسة المتمثلة أو المعقولة المجردة)، من خلال الشكل المصور أو من خلال إطلاق التسمية اللغوية عليها، و إدراك الترابط ما بين الشيء واسمه أو شكله.

 وذلك لان اللغات عموما، هي في أصلها لغات أنشأت على الاتفاقات والوضع، وما ذلك إلا لكون الإنسان " اجتماعيا بالطبع مضطرا للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه، فانه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير. والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها. وليحس بها الغير بإحدى الحواس فيدركها ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيرا من العناء. على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية أو لأنها لا يمكن إحضارها " [11]، الأمر الذي دعا لان نناقش التصورات والتصديقات المنطقية المرتبطة بموضوع العلم في ما يأتي، على أساس أن الشكل منذ الوهلة الأولى التي صار يمثل فيها المعنى، دخل في أطر الاتصال والمنظومة الاتصالية.

أجد انه من المناسب التحدث عن أهمية الدراسات المنطقية في مجال الإبداع الإنساني، وفي شتى المجالات التي لا تفهم إلا من خلال(المنتَج) سواء أكان المنتج فنيا أم أدبيا أم رياضيا... الخ، إلا أن المتفحص المتطلع سوف لن يجد المنطق الصوري إلا بمعناه المدرسي المستخدم الآن في بعض المعارف الإسلامية(كالحوزة العلمية في النجف الأشرف) و(الأزهر الشريف في القاهرة) وغيرهما من مراكز العلم الدينية، وما ذلك لأجل نفس المنطق و إنما لغيره، فهم يستفيدون منه في تقديم أراء الفقهاء، ويدرسونه لبلوغ المطالب الأصولية كذلك، من خلال تحقيق نتائجهم بقواعد هذا العلم. كما أود أن أشير إلى أن الدرس المنطقي في هذه الأوساط يبدوا محكما، إلا انه محكما في مجال هكذا استخدام فقط، فضلا عن الأوساط الجامعية الأكاديمية في كليات الفلسفة والآداب.

والحقيقة لا ادري ما هي الموانع من تفعيل هذا العلم المعياري أو الفاحص للنتائج في كل الأوساط التعليمية ، خاصة وانه بالإمكان تحويل مطالبه إلى نماذج تعليمية مبسطة ، لتحقيق أنموذج فاعل من الطالب الأكاديمي اليوم ، لاسيما ونحن نبغي تفعيل الحراك الفكري لنهضة عربية معاصرة. على الأقل لها القدرة في مواكبة التقدم العالمي .

كما أن المفاهيم التصورية في هذا المنهج المنطقي ، هي من المفاهيم التي لا يدعي أحد بأنه أوجدها، لأنها من جهة الوجود موجودة بالفعل، سواء أعلم بها الإنسان أو لم يعلم، وبهذا فليست هي لأحد أو لمذهب أو لمنهج وغير ذلك، أما أن أرسطو قد نظر فيها وكتب وآلف، فهذا لا يعني انه اكتشفها أو أوجدها، فالمسألة من قبيل(الماء) المحلل في المختبر إلى(H2O)، فالكيميائي حين حلل الماء لم يكتشفه، و أرسطو حين نظر في المفاهيم لم يكتشفها كذلك، لان كليهما موجود، غير أن الماء موجود مادي، والمفهوم موجود ذهني، وهكذا أو على هذا الأساس أقول: إن المفاهيم حصولها في الذهن حصول شأني، أي ما من شأنه الحصول، والشأنية لا تشير إلى إن المفهوم لم يكن موجودا بالفعل، وحين حصل في الذهن صار موجودا، إذ إن وجوده اسبق من وجود معنى الحصول الشأني له، فإذا ثبت ذلك، صار من حقنا الرجوع إلى هذه المفاهيم، و أخذها بنظر الاعتبار وإغراق النظر فيها، بعد أن تداولها الفلاسفة الإسلاميين بالبحث والتدقيق، وجعلوا منها قواما فكريا يحق لنا أن نسميه أو ننسبه إليهم، و استخدام هذه المفاهيم في مناهجنا الدراسية.



احمد جمعة ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد ، 24-6-2012
 ======

[1] ، احمد جمعة ، الوعي الجمالي ، دراسة في التطبيقات البصرية الشكلية ، دار الأصدقاء، بغداد ، 2009.

[2] . مؤسس علم المنطق، ويسمى بالمعلم الأول، و هو أحد طلبة افلاطون المميزين، فسماه أستاذه بالعقل والقراء لذكائه واطلاعه الواسع، ولد سنة 384 ق.م في مدينة (اسطأغير)، كانت أقواله تستند على القواعد المنطقية فكان أصحاب الفكر في خلافاتهم الفكرية يرجعون إليه، كما إن أرسطو سيطر على الفكر الأوربي حتى مطلع العصر الحديث كما يعبر نقاد الفكر الفلسفي عن ذلك. ينظر: د. نجم عبد حيدر، علم الجمال. آفاقه وتطوره، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، ط 2، بغداد، 2001، ص 31، 32. وكذلك: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص 112. 

[3] . ينظر: السيد محمد باقر الصدر، الأسس المنطقية للاستقراء، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي،ط 2، مطبعة السرور 2002، ص 13 - 66.

[4] . ينظر: دوروف و آخرون، المرجع والدلالة في الفكر اللساني، ت: وتعليق عبد القادر قنيني، دار افريقيا الشرق للنشر، بيروت لبنان، 2000، ص 9. 

[5] . للسيد كمال الحيدري، قرص ليزري صادر من مؤسسة الثقلين الثقافية بعنوان(دروس في المنطق)، المحاضرة الثالثة. إلا انه يشير إلى قدم المسألة للفهلويين والباحث يشير قدمها إلى السومريين.

[6] .  ينظر:هربرت ريد،حاضر الفن، ط2، دارالشؤون الثقافية، وزارة الثقافةوالإعلام، بغداد، 1986،ص22- 23 

[7] . زهير صاحب، و آخرون، دراسات في بنية الفن، مطبعة إي – كال، بغداد، 2002، ص 10. 

[8] . محاضرة: تاريخ الفن القديم، للأستاذ د. ناصر الشاوي، ألقيت لطلبة الدراسات العليا الماجستير، 2002، جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، مدونة من قبل الباحث. 

[9] . جهة الوجود هنا غير ذاتية بما تعنيه الكلمة وإنما هو وجود غير منفك عن احتياج الغير.

[10] . يشير إلى ذلك جملة واسعة من الباحثين مثل: بكري محمد خليل، المنطق عند الغزالي، مطبوعات بيت الحكمة بغداد، 2001، ص 52. 

[11] . محمد رضا المظفر، المنطق، ط4، مطبعة حسام، بغداد، 1982، ص 32.