"((اطالب بأن يكون علم المنطق درسا منهجيا في المراحل التعليمية كافة))"
المعرفة هي الإرث الحقيقي في تصور العقلاء، والتي تناقلت من فترة إلى أخرى بجهد الطالبين لها، وحيث لم يقوى الإنسان في بداية الأمر إلا أن يكون بدائيا في تعامله مع المعطيات فالإنسان اليوم يقوى على أن لا يكون كذلك، ولعل الأمر الحقيقي الذي يعد فاصلا بين كلا الحالتين هو(المعطى)، أو المعرف من بين جملة المجهولات أو المبهمات، و إذا ما أخذنا بالقول الذي ينص على إن الإنسان في بداية الأمر استطاع من خلال مواجهة المشاكل أن يبتكر حلولا تعد بالنسبة إليه انتقالات معرفية، فإننا سنقطع بان البدائي ليس بدائيا، إلا بطريقة استعمال المادة(المعطى المعرفي) أو كيفية استخدامها، إلا أن هذا وحده لا يعد مبررا كافيا لتقبل مثل هذه الفكرة من دون تحفظ؛ لعدم وجود الأدلة التي يمكن الاستناد عليها حيال ذلك؛ لان الداعي لوجود الفكر أو التفكير عند الإنسان في هذا القول، عد مشروطا بوجود المشاكل ومواجهتها، فلا يمكننا اعتماد هذه الفكرة وإن كانت المسيرة الإنسانية من جهتها المعرفية في تطور مستمر. وخير دليل على ذلك زماننا الحاضر، الذي انتقل انتقالاته الحالية الموصوفة بالتقنية الإلكترونية.
ولهذا يمكن عدّ السعي خلف المعرفة والبحث طلبا عنها من قبل الإنسان موصوفا(بالملَكة)، والذي لا يعني إلا أن يكون السعي بحثاً عن المعرفة من ملكات الحياة أو الوجود الإنساني، سواء أكانت هناك(المشاكل) أو لم تكن، إلا أن هذا لا يعني إلغاء وجود العوزات المتغيرة والمتنوعة والمعبر عنها بالمشاكل، فإن لها أهمية تكمن في كونها دوافع للسعي عن المعرفة، بل تعد أحيانا مبررات مهمة في مشروعية البحث – أي بحث علمي - ، وليس الغرض من الكلمات التي تقدمت، إلا التأكيد على أهمية المعرفة التي طالما تعلقت بالأمر المبهم، أو(المعميات)، والتاريخ يذكر لنا كيف استطاع الإنسان من خلال البحث والتجريب، أن يكشف المبهمات ويحيلها إلى مواد معلومة بالنسبة إلينا. وهكذا حتى بلغت المعرفة أوج عظمتها حينما انتقلت انتقالاتها الأولى في كشف النظام المجرد وصهره لتكوين اللغة. وعن طريق تراكباته يمكننا التفاعل مع الآخرين لأنه الوسيط الأمثل الذي يكون مادة للتعامل.
هذا(النظام) الذي ابتكره الإنسان تحديدا في منطقة بلاد الرافدين في الفترة الحضارية (السومرية) يعد بحق أول مراحل التفكير السليم، إذ يعد هذا الابتكار في بنية الخطاب من خلال اختزال الثنائية التي تتمثل في(العنوان والمعنون)، كشفا عن تداول مشفر للمعنى ، وكشفا كذلك لانتقالات المعرفة، لا لكونه ابتكاراً فقط أو لأنه نظام طيع في متناول الآخرين، و إنما لكونه قابلا لاحتواء فعل التعبير في المعنى أو(المعنون) ومشيرا إليه، أيا ما كان نوعه أو جنسه أو فصله، وللشكل الفني دور كبير في ذلك كما بينته في كتابي الأول ، الوعي الجمالي[1].
ولكن غاية الأمر في المسيرة المعرفية الإنسانية لم تكن في ابتكار الوسيط من قبل الإنسان، و إنما في كيفية الابتكار، ولعل هذا الأمر هو الذي دعا لان يكون مفسراً لتساؤلات تخص وجود القاعدة التي تربط ما بين مفاصل النظام نفسه، وكشف العلاقة فيما بينهما. كما يبدو أن القاعدة هنا أكثر تجردا من النظام ولهذا سعت الدراسات والأبحاث بعد ذلك لكشف هذه القواعد التي يعمل فيها النظام، والتي(يظهر) من خلالها نظاما متكاملا، على الرغم من إيماننا بأنه لا ينفك عن كونه تكاملاً نسبياً. ومن تلك الدراسات التي سعت لكشف القواعد أو(القاعدة) في النظام هي الدراسات اللغوية، و أولى تلك الدراسات وجدت في ارض الرافدين كذلك، غير أنها بالتأكيد ليست بمثل الدراسات الحديثة من جهة تناولها لمفهوم(القاعدة) التي يشتغل عليها النظام، ويمكن عدها أحد الدراسات الجنينية لمثل هكذا أبحاث، ولكي لا يأخذني الغلو في تمجيد السومريين، أود الإشارة فقط إلى أنهم أول المؤسسين لهذا الدرس اللغوي، ومن ثم وجدت الفلسفة لها طريقاً في المسيرة الإنسانية، بعد عناء من البحث المعرفي دام ثلاثة آلاف سنة تقريبا، حيث امتدت هذه الفترة من عصر أو مرحلة اكتشاف الكتابة، إلى فترة أو مرحلة الفلاسفة اليونانيين. فظهرت الدراسات المنوعة التي تحدثت عن غائية القواعد التي تحكم أواصر النظام، ومن هؤلاء الفلاسفة(أرسطو)[2] حيث أشار في كتابه(المنطق)، إلى كشف القاعدة التي تبرهن على صحة النتائج، في ما لو تم مراعاة تطبيقها عند التفكير.
وعلى الرغم من عدم تأكيد المدعى الذي يستشف منه أن(أرسطو) قد ساهم في تأخير البشرية بمثل هكذا تحرك نحو(الغاية) في كشف القاعدة أو(النظام)[3] ، نجد انه قد فتح الأبواب على مصراعيها أمام الساعين إلى طلب المجهول التصوري، أو تحويل المعلومة المعرفية غير المكتسبة إلى معلومة مكتسبة. وإلا فماذا يكون تطور المعرفة في ذات الجوانب التي تناولها(أرسطو) نفسه، غير كونها جوانب وجدت لها ما يدعو لوجودها، متعكزة على آثاره الأولى ومتخذةً منه منهاجاً قابلا لان يستحدث، انطلاقا من كون المعرفة ذاتها إرثا عاما. كما أن الأمر وان كان يبدو من جهة الإنشاء أو التكوين انه أمر طبيعي، وكذلك من ناحية(الارتكاز) أو حتى من ناحية توالي أو تتالي المراحل، إلا انه أمر مهم في سلسلة الحدث المعرفي بشكل عام.
وبهذا لا يعاب البحث المنهجي الذي انشغل فيه أرسطو لكشف(نظام القاعدة المنطقية). ولا يحق لنا أن نصفهُ بأنه نظاماً لا جدوى لوجوده؛ لان هذا الوصف سوف لن يكون إلا قاصيً لكل الأنظمة التي تشتغل على القاعدة، كالرياضيات والفيزياء وغيرهما من المعارف، وبالتالي فهو إقصاء لنتائج المعرفة على شكل متواليات متسلسلة. ولان الإنسان بطبيعة الحال يتميز عن الموجودات(المخلوقة) بأنه واضع للمعرفة، أو المعارف النسبية بشكلها الشمولي. فكل العمليات الناتجة عن التفكير الإنساني، لا تكاد تخلو بأي شكل من أشكال الوعي و القصد في طرحها؛ ذلك لأنها أفكارا موضوعة من قِبلَهِ، حتى وان كانت بعض أفكار الإنسان تأتى إما لشدة التحسس و الإدراك المباشر للمفاهيم كما عند الحدسي، أو لشدة الاغتراب والعمل في إطار لا يحكمه التخطيط المسبق، اعتمادا على قدرة التجريب في ابتكار المنتج، إلا أن الإنتاج البشري الفكري لا يخرج إلا بقصدية واعية إلى المتلقي، على أن يكون لهذا(الفكر) أو المنتج، تأثيره المباشر العميق أو السطحي، لأنه مؤثرا تتأثر به المجموعة لاسيما وهو يعبر بطريق ما عنها؛ وذلك لأجل التخلص من المصاعب والتوجه نحو السعادة، ولو في فهم الأشياء واستثمارها على الأقل، ناهيك عن تحقيق المطالب وجعلها هدفا.
كما أننا نجد أن المعرفة في تناقل مستمر، وهي بهذا التناقل ترفد إلى جوانبها إضافات تأتي عن طريق تراكم الخبرة المكتسبة، سواء أكانت الخبرة قادمة من خلال تعامل الأفراد مع الأشياء لانجذابهم إليها- كما في التخصص- أو من خلال تعامل المجموع مع الظاهرة لأجل الخلاص منها أو تجاوزها. فالمعرفة تكاد تكون أشبه بالموروث الذي ترثه الأجيال لتقدمه إلى لاحقتها، ويجري التناقل مبطنا بهكذا غاية أساسها رفعة الإنسان من خلال تطوره، أو من خلال معرفته للمجهولات العامة. ومن هذه المعارف التي تناقلت من شكل إلى آخر متطورة شيئا فشيئا حتى بلغت ذروتها هي(المعرفة المنطقية)، التي يستند عليها الفكر الإنساني، لأنه قوام يحتاج إلى التنظيم أو إلى قواعد من خلالها يتم الوصل إلى نتائج تكون(سليمة) خصوصا أثناء عملية التفكير، هذا التنظيم جاء في علم المنطق لأول مرة وكما هو مشهور على يد أرسطو طاليس. وبوجه عام يمكن إدراج هذه التوجهات المنطقية، تحت نظرية(المعرفة الكلاسيكية)كما يعبرُ عنها[4]؛ وذلك لقدم تناول مطالبها العقلية أو الفكرية.
إلا أن هذا لا يعني أن المنطق كعلم، بما هو، لم يكن من جهة الوجود موجودا أو لم يكن الإنسان عاملا أو مشتغلا به، بل على العكس، والدليل انه كمفهوم معرفي كان الاشتغال به معلوما حتى قبل أرسطو، ثم نقلت إليه على شكل أبحاث دُفَعَّية. فهو أي المنطق كفكرة لم يولد عنده أو يكون هو المؤسس الحقيقي و الجنيني له[5] ، خصوصا وان المنهج الفيثاغورسي مثلا السابق للمنهج المثالي الأرسطي، تعامل مع الأشياء بإرجاعها إلى أجزائها وبالتالي تكون هذه الأجزاء غير منفكة عن مفاهيمها الكلية، و هذا دليل على وجود المباني المنطقية ومسمياتها على الأقل، أو إن الاشتغال بها عند المفكرين في ذلك الزمان كان معلوما، ثم تناقلت حتى وصلت(أرسطو) فمنهجها بكتابة المنطق تحت عنوان(الكليات والجزئيات)مثلا، بوصفها أحد الأنظمة التي يعمل بها الذهن البشري، وهكذا حتى وصلت إلى الإسلاميين، ثم إلى المفكرين من بعدهم وصولا إلى يومنا الحاضر، الذي يتمثل بالسعة والشمولية المعرفية.
ونحن بتأكيدنا لهذا نرجح أن يرد الاشتغال المنطقي إلى مرحلة موغلة بالقدم، تصل بحسب الاستقراء إلى نشأة الفكر الإنساني نفسه، فلنأخذ المسالة بشكل توسعي ونتوجه نحو النتاجات القديمة في مضمار الفكر القديم اللامنهجي، أو اللامنتظم بحسب قول الكثير من المختصين، وذلك لكون الإنسان قديما " لا يميز بمثل طريقتنا الاستدلالية ما بين الواقعي و الخيالي" [6] ، فمثلا عمليات السحر التشابهي والتشاكلي التي يعتقد أنها أول مرحلة من مراحل التفكير البشري التي يقوم بها الإنسان البدائي على شكل طقوس خاصة. أليست هي نوع من أنواع الدلالة ؟، وهي في تقسيم المعاصرين لأجزاء الدلالة تعد دالاً، ولهذا لا بد أن يكون لها مدلول، ومدلولها هو الغرض(المضامين الفكرية)، أو ما يترتب عليه الأثر الناتج من الطقس السحري نفسه، وإلا فلماذا تعمل أشكال هذه الطقوس، ولماذا تقام مراسيمها أصلا.
تأيدا لذلك يقول استأذنا الدكتور العلامة زهير صاحب" إن في معتقدات إنسان عصر ما قبل التدوين الأولى، في[العمل] الدؤوب لترويض الطبيعة بالممارسات والشعائر الدينية والسحرية، وإدراكه الخاص بحيوية المادة، واهتمامه بفاعلية التمثيل الفني للظواهر، و ملاحظة قوانين الطبيعة، وتواصله الروحي مع معظم الظواهر المتحكمة في مفردات حياته. قد وجدت لها حالة من الوعي والتشكيل الجديد في النتاجات التشكيلية، فأكسبت معنى ودلالات روحية وبما يتماشى وطبيعة هذه المرحلة الحضارية الجديدة. فهو عالم من القيم المطلقة[التي]تعلو عالم الظواهر المتغيرة ويتحرر من جميع تعسفات الواقع المعاش" [7].
نعم قد لا يكون البدائي حين اشتغل على مثل هذه الشاكلة واعيا بما تعنيه(الدلالة) للإنسان الراهن، من خلال معرفته بالمادة العلمية المعاصرة، إلا إن الأشكال الطقوسية تأيد وجود مثل هذا(النظام)الدلالي،" فللقرن مثلا دلالة على القوة وللثور دلالة على الخصب والإلوهية كما في حضارة العراق القديم، وللنذور في كافة الحضارات دلالة على الطاعة وكما للون دلالات، وللدخان والأبخرة دلالات كذلك " [8] . وقد تتخذ المسالة قاعدة اكبر واعم من جهة الشمولية، لتتبع الطريقة التي نتوصل بها إلى الأفكار المجردة والتي نعمل بها في عقلنا المجرد، فيصبح التفكير في حد ذاته قائما على الدوال التي توصل إلى المدلولات أو(النتائج)، ولا يخفى أن الدلالة هي أحد مباحث علم المنطق أيضاً.
وهكذا لو تناولنا المباحث الباقية في جانب التصورات المنطقية كالقسمة والمفرد والمركب والكلي والجزئي...الخ، لوجدنا لها استخدامات كثيرة ومتنوعة في شتى مجالات الحياة الفكرية والعملية والعلمية، سواء أكان ذلك في ما قبل التاريخ أو بعده، على الرغم من وجود الفوارق ما بين الفترتين من جهة فهم ودراية وتحصيل المعلوم التصوري.
وعلى أية حال فإن لعلم المنطق(موضوع المقال) وجوده القائم بذاته [9] ، وهو من العلوم التي تبحث لغيرها، والتي تستخدم لغرض الحصول على الغاية، عوضا عن كونه من العلوم الآلية التي تعتمد على(القاعدة أو النظام)، في جميع خطواتها [10] ، وهو بهذا يعد الكاشف الحقيقي لصدق اغلب النتائج أو عدم صدقها، فيما لو راعينا تطبيق قواعده على النتائج نفسها، وهو الكاشف الحقيقي كذلك للمباني المعرفية في النتائج. وهنا يجب الاعتراف بان المؤشرات في الفكر البشري في ما يتعلق بالموضوع، كانت على جانب كبير من الأهمية في بلورة المعرفة، لاسيما عندما تكونت المجتمعات بشكل مجموعات، لها ما تملك من مقومات العيش والسيطرة على اغلب مصاعب الواقع، نتيجة للعمليات التجارية والزراعية والسياسية...الخ، وبشكل أخص عندما عرفت هذه المجتمعات المواد الأولية، التي تمثل الوسائط الاتصالية أو التي تمثل الأشكال، سواء أكانت تشبيهية أم لا، وبعد الأشكال الرموز حيث تعتبر الرموز، نوعا من أنواع الاختزال الشكلي لبنية الهيئة المصورة أو المرسومة. وكذلك الأمر مع الكتابة، حيث تعد تطورا تاريخيا في مسيرة الإنسان الفكرية، فهذه الوسائط التي تطورت شيئا فشيئا لأجل أن تكون مادة للتفاهم اللامحدود والعمومي؛ لأنها تمتلك قواماً استطاع الإنسان من خلاله أن يتعامل به ويستوعب طرفي الموجودات(المحسوسة المتمثلة أو المعقولة المجردة)، من خلال الشكل المصور أو من خلال إطلاق التسمية اللغوية عليها، و إدراك الترابط ما بين الشيء واسمه أو شكله.
وذلك لان اللغات عموما، هي في أصلها لغات أنشأت على الاتفاقات والوضع، وما ذلك إلا لكون الإنسان " اجتماعيا بالطبع مضطرا للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه، فانه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير. والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها. وليحس بها الغير بإحدى الحواس فيدركها ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيرا من العناء. على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية أو لأنها لا يمكن إحضارها " [11]، الأمر الذي دعا لان نناقش التصورات والتصديقات المنطقية المرتبطة بموضوع العلم في ما يأتي، على أساس أن الشكل منذ الوهلة الأولى التي صار يمثل فيها المعنى، دخل في أطر الاتصال والمنظومة الاتصالية.
أجد انه من المناسب التحدث عن أهمية الدراسات المنطقية في مجال الإبداع الإنساني، وفي شتى المجالات التي لا تفهم إلا من خلال(المنتَج) سواء أكان المنتج فنيا أم أدبيا أم رياضيا... الخ، إلا أن المتفحص المتطلع سوف لن يجد المنطق الصوري إلا بمعناه المدرسي المستخدم الآن في بعض المعارف الإسلامية(كالحوزة العلمية في النجف الأشرف) و(الأزهر الشريف في القاهرة) وغيرهما من مراكز العلم الدينية، وما ذلك لأجل نفس المنطق و إنما لغيره، فهم يستفيدون منه في تقديم أراء الفقهاء، ويدرسونه لبلوغ المطالب الأصولية كذلك، من خلال تحقيق نتائجهم بقواعد هذا العلم. كما أود أن أشير إلى أن الدرس المنطقي في هذه الأوساط يبدوا محكما، إلا انه محكما في مجال هكذا استخدام فقط، فضلا عن الأوساط الجامعية الأكاديمية في كليات الفلسفة والآداب.
والحقيقة لا ادري ما هي الموانع من تفعيل هذا العلم المعياري أو الفاحص للنتائج في كل الأوساط التعليمية ، خاصة وانه بالإمكان تحويل مطالبه إلى نماذج تعليمية مبسطة ، لتحقيق أنموذج فاعل من الطالب الأكاديمي اليوم ، لاسيما ونحن نبغي تفعيل الحراك الفكري لنهضة عربية معاصرة. على الأقل لها القدرة في مواكبة التقدم العالمي .
كما أن المفاهيم التصورية في هذا المنهج المنطقي ، هي من المفاهيم التي لا يدعي أحد بأنه أوجدها، لأنها من جهة الوجود موجودة بالفعل، سواء أعلم بها الإنسان أو لم يعلم، وبهذا فليست هي لأحد أو لمذهب أو لمنهج وغير ذلك، أما أن أرسطو قد نظر فيها وكتب وآلف، فهذا لا يعني انه اكتشفها أو أوجدها، فالمسألة من قبيل(الماء) المحلل في المختبر إلى(H2O)، فالكيميائي حين حلل الماء لم يكتشفه، و أرسطو حين نظر في المفاهيم لم يكتشفها كذلك، لان كليهما موجود، غير أن الماء موجود مادي، والمفهوم موجود ذهني، وهكذا أو على هذا الأساس أقول: إن المفاهيم حصولها في الذهن حصول شأني، أي ما من شأنه الحصول، والشأنية لا تشير إلى إن المفهوم لم يكن موجودا بالفعل، وحين حصل في الذهن صار موجودا، إذ إن وجوده اسبق من وجود معنى الحصول الشأني له، فإذا ثبت ذلك، صار من حقنا الرجوع إلى هذه المفاهيم، و أخذها بنظر الاعتبار وإغراق النظر فيها، بعد أن تداولها الفلاسفة الإسلاميين بالبحث والتدقيق، وجعلوا منها قواما فكريا يحق لنا أن نسميه أو ننسبه إليهم، و استخدام هذه المفاهيم في مناهجنا الدراسية.
احمد جمعة ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد ، 24-6-2012
======
[1] ، احمد جمعة ، الوعي الجمالي ، دراسة في التطبيقات البصرية الشكلية ، دار الأصدقاء، بغداد ، 2009.
[2] . مؤسس علم المنطق، ويسمى بالمعلم الأول، و هو أحد طلبة افلاطون المميزين، فسماه أستاذه بالعقل والقراء لذكائه واطلاعه الواسع، ولد سنة 384 ق.م في مدينة (اسطأغير)، كانت أقواله تستند على القواعد المنطقية فكان أصحاب الفكر في خلافاتهم الفكرية يرجعون إليه، كما إن أرسطو سيطر على الفكر الأوربي حتى مطلع العصر الحديث كما يعبر نقاد الفكر الفلسفي عن ذلك. ينظر: د. نجم عبد حيدر، علم الجمال. آفاقه وتطوره، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، ط 2، بغداد، 2001، ص 31، 32. وكذلك: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص 112.
[3] . ينظر: السيد محمد باقر الصدر، الأسس المنطقية للاستقراء، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي،ط 2، مطبعة السرور 2002، ص 13 - 66.
[4] . ينظر: دوروف و آخرون، المرجع والدلالة في الفكر اللساني، ت: وتعليق عبد القادر قنيني، دار افريقيا الشرق للنشر، بيروت لبنان، 2000، ص 9.
[5] . للسيد كمال الحيدري، قرص ليزري صادر من مؤسسة الثقلين الثقافية بعنوان(دروس في المنطق)، المحاضرة الثالثة. إلا انه يشير إلى قدم المسألة للفهلويين والباحث يشير قدمها إلى السومريين.
[6] . ينظر:هربرت ريد،حاضر الفن، ط2، دارالشؤون الثقافية، وزارة الثقافةوالإعلام، بغداد، 1986،ص22- 23
[7] . زهير صاحب، و آخرون، دراسات في بنية الفن، مطبعة إي – كال، بغداد، 2002، ص 10.
[8] . محاضرة: تاريخ الفن القديم، للأستاذ د. ناصر الشاوي، ألقيت لطلبة الدراسات العليا الماجستير، 2002، جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، مدونة من قبل الباحث.
[9] . جهة الوجود هنا غير ذاتية بما تعنيه الكلمة وإنما هو وجود غير منفك عن احتياج الغير.
[10] . يشير إلى ذلك جملة واسعة من الباحثين مثل: بكري محمد خليل، المنطق عند الغزالي، مطبوعات بيت الحكمة بغداد، 2001، ص 52.
[11] . محمد رضا المظفر، المنطق، ط4، مطبعة حسام، بغداد، 1982، ص 32.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق